الفنان الموهوب المتمكن عبدالمنعم إبراهيم، المولود في الرابع والعشرين من أكتوبر سنة 1924، واحد من رموز الكوميديا المصرية، وعلامة مضيئة في مدرسة «السهل الممتنع»، حيث البساطة والتلقائية والعفوية، والقدرة الخارقة علي التواصل مع المشاهد ومصادقته. تألق عبدالمنعم في المسرح، وقدم عشرات الأفلام السينمائية، وازداد توهجا وحضورا في المسلسلات التليفزيونية، وعبر هذه الأشكال جميعا احتفظ بالأداء التمثيلي الرفيع، وتميز بالحضور الذي يخطف الأبصار، تشع من حركاته ونبرات صوته حرارة تحيطه بالتوهج الأخاذ. يتحرك بكل الثقة والاقتدار، ويعي أبعاد الشخصية فيضفي عليها المذاق المختلف، ويفرض نفسه علي من حوله، وتنبعث منه رسائل البهجة والمرح والسعادة. من ينسي دور مدرس اللغة العربية الفصيح في «السفيرة عزيزة»؟ ومن يقاوم خصوصية تعبيره في «سكر هانم» و«طاقية الإخفاء» و«إشاعة حب»؟! لم يحل تقدمه في السن دون العطاء الممتع في أدوار تليق بوضعه الجديد، وبتجسيده الفذ لشخصية صالح الأخرس في مسلسل «زينب والعرش»، المأخوذ عن الرواية البديعة لفتحي غانم، برهن الممثل القدير علي وصوله إلي قمة النضج، واستطاع أن يعبر عن رجل يعيش في القاع، ولا يملك شيئا من العلم والثقافة، لكنه صوت الحق وعصير الحكمة الشعبية الموروثة. في تاريخ الكوميديا المصرية، عشرات من المواهب، ولكل أسلوبه ومنهجه ورؤيته، لكن المشترك الراسخ بينهم هو الإحساس بالمسئولية، والابتعاد عن دائرة الابتذال والتهريج، والإدراك الواعي لحقيقة أن الإضحاك لا يرادف السطحية والتفاهة، ولا يمكن أن يتحقق عبر الأوراق المستهلكة المحروقة، التي يلجأ إليها عديد من المعاصرين، ممن يتسلحون بالألفاظ الخشنة والبلاهة والمبالغة الكريهة. عبدالمنعم إبراهيم.. الدافئ الجميل.. ألا تعرف أننا نفتقدك؟