كتب الأستاذ عبد الله كمال رئيس التحرير في مقاله يوم الأربعاء الماضي تحت عنوان (قساة القلوب) عن الصحافة والصحفيين متسائلا: (هل الصحافة مهنة قاسية؟ أم أن الصحفيين قساة القلوب؟.. لست أدري.. ولا يمكن أن أصدر حكمًا بالرقة علي مهنة أمارسها وأدرك أنها ترتكب المآسي كل يوم.. والحقيقة أن كل صاحب مهنة يمتلك قدرا من القسوة الضرورية وليس الصحفي وحده.. القاضي يحكم علي هذا بتقييد حريته وسجنه وعلي ذاك بالإعدام.. والطبيب يصف دواء مرا ويوخز الأجسام بإبر الحقن الموجعة.. والجراح يشق البطون ويستأصل أجزاءً من الجسم.. وأستاذ الجامعة يجعل هذا الطالب يرسب مرة ومرتين.. وضباط الشرطة يستخدمون الأسلحة وقد يصيبون المجرمين الفارين.. والمديرون يوقعون جزاءات علي الموظفين.. والجنود يقتلون جموعاً وفرادي.. أليست كل هذه الأفعال من مظاهر القسوة؟ ألا يمكن للأستاذ أن يجعل كل الطلاب ينجحون؟ ولم لا يرحم القاضي المجرمين ويخفف الأحكام أو يعف عنهم؟ في كل مهنة توجد منطقة للقسوة.. منطقة تصير فيها القسوة ضرورة واحتراف.. ويمنع استخدام القسوة خارج تلك المنطقة لأن خارجها توجد الإنسانية.. منطقة القسوة هي منطقة تحقيق المقاييس الحرفية اللازمة لكل عمل حتي ينجح ويحقق أهدافه.. منطقة القسوة عند القاضي تحقيق العدالة بما يضمن حقوق المجتمع.. ليس علي القاضي أن ينتقم من المجرم، فهذا ضد الإنسانية.. وليس عليه أن يرحمه ويخلي سبيله لأن للمجتمع قانوناً وحقوقاً.. إذا اعتقد أستاذ الجامعة أنه يملك مستقبل الطلاب ويستطيع أن يجعل هذا راسبا وذاك ناجحا فهو يتخطي منطقة الحرفية إلي اللا إنسانية.. لأن عمله يتطلب تحقيق المقاييس المطلوبة للطالب الناجح وإذا لم يستوفها فليرسب وتأتي ضرورة القسوة.. في الصحافة توجد مقاييس ولكن كثيرون يخرجون عنها.. قد يكون منهم هؤلاء الذين ذكرهم الأستاذ عبد الله كمال في مقاله: (عرفت أناسًا أعمتهم الشهوة حتي دمرتهم.. وأسكرهم الطمع إلي أن أدمنوه.. فلما تملك منهم وسكن خلاياهم سحبت الدنيا الكحول من عروقهم.. وصاروا يتخبطون في الجدران يبحثون عن مصحة للعلاج من الإدمان).. لماذا ضل هؤلاء ويضل آخرون في أماكن ومهن متنوعة عن منطقة القسوة المهنية؟ ببساطة لأنهم يضعون ذواتهم فوق مهنتهم.. وفي الصحافة علي وجه التحديد قد تصبح الشهرة الشخصية، وتحقيق السبق شهوة تطغي علي الحرفية وآداب المهنة.. في الصحافة وغيرها يسهل أن تتحول القسوة المهنية إلي اللا إنسانية إذا لم يدرب الإنسان نفسه علي التمييز بين منطقة القسوة وما خارجها.. فقد يتجرأ الجراح علي المشرط فيتحول من إجراء العمليات الجراحية بهدف إنقاذ المرضي إلي تقطيع رجل للانتقام منه.. وقد يستخدم الجندي سلاحه في غير أرض المعركة.. وقد يستمرئ الصحفي نشر الفضائح وينسي أن فضح الحقائق ينبغي ألا يتخطي منطقة بناء المجتمع.. وأن أخبارا مثيرة بهدف الإثارة فقط، تحمل تجريحا في أشخاص وتعرضا لحياتهم الشخصية يخرج عن منطقة القسوة المهنية ويتخطاها إلي اللا إنسانية.. نعم! نحن كلنا قساة ولكن في نطاق ما نمتهنه من أعمال فقط.. نعم! نحن قساة ولكن بلا إدمان.. قساة ولكن يعيش في كل منا إنسان..