المؤسسات الصحفية القومية هي مؤسسات الشعب، يمتلكها أبناء الوطن ، وينوب عنهم المجلس الأعلي للصحافة في إدارة جميع شئونها.. يحافظ عليها و يطورها و ينميها خدمة لمهنة الصحافة وابنائها من اصحاب القلم ، وبين ما حدث قبل نحو عام مضي من قرار للمجلس الأعلي للصحافة بضم بعض اصدارات المؤسسات القومية التي واجهت عثرات في استئناف مسيرتها الي بعض المؤسسات القومية "الأسعد" حظاً، وما هو حادث الآن من ازمة في صحيفة الدستور.. يبين الفارق بين فكر الادارة المؤسسي الذي يقوم علي المنهج ، وفكر الادارة الشخصي الذي يعتمد في قراره علي رؤية الفكر الواحد ومصلحة الشخصية الخاصة.. وعلي الرغم من الاعتراضات التي ابداها بعض زملائي الصحفيين العاملين في المؤسسات الأكبر علي عملية دمج الاصدارات ولرؤيتهم كل الاحترام والتفهم فإن تلك الاعتراضات ما كان لها ان تكون بتلك الضراوة لو كان امام اصحابها خطة واضحة المعالم للاستفادة من الاصدار الوافد الي مؤسساتهم ليكون اضافة الي المؤسسة بدلا من ان يصبح عبئاً عليها.. فالناظر الي تلك الاصدارات المدمجة سيجدها من نوعية الاصدارات المتخصصة في ميقات الطرح، او في المحتوي الصحفي لها، وغير الموجودة أصلا في المؤسسات التي انضمت اليها.. .. جريدة "المسائية" التي تم دمجها في مؤسسة اخبار اليوم وهي تعد بحق جريدة الظهيرة كان من الانسب ان يكون موعد توزيعها في الاسواق وقت بداية ظهور الموجة الثانية من جماهير القراء حال خروج الموظفين من مقار اعمالهم عقب الانتهاء من دوام العمل، وايضاً طلبة الجامعات و المعاهد والمدارس الثانوية بعد انتهاء فترة دراستهم الصباحية لتكون بين ايديهم قبل توجه كل منهم الي منزله، وهو موعد بين الثانية والرابعة عصر كل يوم، فاذا كانت الموجة الأولي لجماهير القراء تبدأ الساعة التاسعة مساء كل يوم لتجد بين ايديها الطبعة الاولي من الجرائد. وكانت الموجة الثالثة للجماهير تبدأ في الساعة الثامنة صباحاً لتجد بين ايديها الطبعتين الثانية والثالثة.. فإن الفترة الزمنية بين الموجتين تمتد الي ما يقرب من الاثنتي عشرة ساعة دون وجود جريدة تحمل مستجدات الأحداث، وهي فترة طويلة تكون فيها ساحة النشر الصحفي فارغة من اي اصدار صحفي ، ولهذا كان الميقات الانسب لجريدة الظهيرة هو فترة المنتصف بين الموعدين، الا انه لم يحدث ذلك فلم تستفد المؤسسة العملاقة من وافدها الجديد ذي الطبيعة الخاصة فتفيده من امكاناتها وتستفيد منه في طبيعته.. .. اما مجلة التعاون الزراعية - التي تم دمجها في مؤسسة الأهرام - فهي تعد من اولي الاصدارات المتخصصة التي ظهرت في مؤسسات الصحافة القومية، اذ قامت فكرة اصدارها علي تغطية كل جوانب القطاع "الأخطر" في المجتمع وهو قطاع الزراعة بكل ما فيه من أطروحات لمشاكل او مناقشات لرؤي او تقديمات لمقترحات تهم كل من له صلة بذلك القطاع العريض المهم جدا للوطن.. الا انه ايضاً لم توضع له خطة التنفيذ واضحة المعالم للاستفادة من ذلك الاصدار الاهم بين الاصدارات الصحفية.. شخصياً. لم اعد اسمع عن وجود ذلك الاصدار "الخطير" الا من خلال اعلان صغير المساحة يتقوقع في مكان منزو يشغل مساحة متواضعة علي احدي صفحات جريدة الاهرام، وكنت اتمني ان ينال ذلك الاصدار المهم حظه من رعاية المؤسسة الكبيرة العريقة لتقام المؤتمرات العالمية وحلقات النقاش التي تضم الباحثين والدارسين والعلماء من مصر و العالم تواجه صعوبات ومستقبل الزراعة في مصر تحت رعايته من خلال مؤسسته الأم، وللمرة الثانية لم تستفد المؤسسة العملاقة من وافدها الجديد ذي الطبيعة الخاصة فتفيده من إمكاناتها وتستفيد منه في طبيعته.. .. وأزمة جريدة الدستور هي اول ازمة حقيقية لصحافة القطاع الخاص تحدث بعد قرارات الدمج التي حدثت في بعض المؤسسات الصحفية القومية العام الماضي، وكنت اتوقع ان يستفيد المالك للصحيفة الخاصة من درس السيد صفوت الشريف في كيفية الحفاظ علي اصدار الفكر والتنوير والمحافظة علي صانعيه. ففكرة الدمج قامت علي اساس الاستفادة من نجاحات حققتها مؤسسات بخبرات ابنائها وحرفيتهم العالية، ليدور الاصدار الوافد معها في عجلة نجاحها فيصبح هو الآخر من الناجحين، وما يعنيه الدمج في الاصدار الصحفي الخاص هو الاستعانة بالخبرات الصحفية في كل المجالات المهنية التي تشكل عوامل اصدار الصحيفة من محررين وفنيين ومخرجين.. الي آخر العوامل المحترفة المشهود لها بالنجاح في عالم الصحافة لدمجها في الاصدار القائم ليستفيد من نجاحات الآخرين و ينجح هو الآخر، الا ان فكر القطاع الخاص ضيق الافق ادخل نفسه في شجارات شخصية ليقترب من اضاعة استثماراته، وقارب علي اضاعة طاقات شابة واعدة تكافح من اجل الحياة تحت مظلة نقابة الصحفيين، و ذلك هو بيت القصيد في تلك الازمة.. الطاقات الصحفية الشابة الواعدة لها كل مستقبل الصحافة القادم، ولهذا المقام مقال قادم..