أثارت أزمة (البدوي- عيسي) إشكاليات عديدة في أوساط النخبة، في مقدمة تلك الأشكاليات: تداخل رأس المال مع حرية الضمير (يحلو للبعض تسميته شرط الضمير) علما بأن الضمير ليس شرطا ولا يقنن يقدر ما هو مسيرة تربوية مهنية تكون ما يسمي بالضمير المهني الذي يؤهل اصحاب مهن الضمير لاستيعاب التقنين فيما بعد.. لأن اغلب المهنيين من الصحفيين الجدد تم استيعابهم وتوظيفهم في الصحف من خلال المهارات الصحفية دون ربط يذكر بين القيم والمهارات. وفي أفضل الأحوال .يلقن. القليل من هؤلاء ما يسمونه "بأخلاقيات المهنة" كجزء من التدريب العملي أحترافيه العملية دون إدراك حقيقي لمفهوم الضمير المهني، وليس أدل علي ذلك من قصة (نادين-هبة) او (هشام- سوزان) أو( طبيب الدقي) الخ. برزت هذه المشكلة نتيجة التكاثر الصحفي والاعلامي في الحقبة الاخيرة، ودخول سوق العمل الان من الوافدين الجدد علي المهنة وعدم قدرة كليات الاعلام أو المؤسسات الصحفية علي التأهيل الضميري المهني لهؤلاء الوافدين الجدد، (تقدر نسبة عدد اعضاء النقابة الذين انتموا إليها في العشر سنوات الاخيرة بحوالي 50%) . كذلك سيادة منهج التدين الشكلي في المجتمع ككل ومنهم الصحفيون الجدد ، الأمر الذي جعل أغلب هؤلاء الشباب يخلطون بين ماهو ديني وماهو مهني: ويستخدمون ادوات قياس مثل (الحلال والحرام) علي العمل الصحفي دون فهم يذكر لماهية الضمير المهني كجزء لا يتجزأ من الضمير العام، كل ذلك يحدث في ظل تطور (كمي ) مضطرد ، وغياب شبه تام للمرجعيات المهنية ، وتداخل بين سلطة رأس المال ومهن صناعة الضمير. ولم يكن شباب الجماعة الصحفية فقط هم غير المؤهلين لذلك ، بل أغلب رجال الاعمال المستثمرين في الاعلام لم يكونوا مؤهلين للاستثمار في الإعلام، وإدراك الفرق بين ملكية مؤسسة اقتصادية وملكية مؤسسة صناعة ضمير ورأي عام. وليس أدل علي ذلك من ان مالكي الدستور الجدد (البدوي-إدوارد) وهما قيادات اقتصادية وسياسية مرموقة إلا انهما غير مؤهلين للاستثمار الإعلامي حيث وقعا في أخطاء فادحة في إدارة أزمة الدستور وإقالة الزميل إبراهيم عيسي، (راجع حديث السيد البدوي في العاشرة مساءا 12/10/2010) وكيف أعلن أن اكبر قرار خاطئ أتخذه في حياته هو المساهمة في شراء الدستور ، وأنه لم يكن يتوقع أن يحدث كل ذلك بعد إقالة الزميل إبراهيم عيسي) أي اننا أمام رجال أعمال لا يدركون أبعاد الاستثمار في الإعلام. وتكتمل الحلقة إذا قلنا أن الازمة ايضا فجرت انتهاء العمر الافتراضي للمرجعيات والقوانين المنظمة لمهنة الصحافة، وعلي سبيل المثال فإن قانون تنظيم الصحافة لا يفرض أي قيود علي تغيير السياسة التحريرية أو تغير الموقف السياسي للصحف وكل ما تنص عليه (المادة13) الخاصة بشرط الضمير في حالة حدوث أي تغيير جذري في سياسة الصحيفة او حدوث تغيير في شروط التعاقد: (جاز للصحفي أن يفسخ تعاقده بإرادته المنفردة بشرط أن يخطر الصحيفة بعزمه علي فسخ العقد قبل امتناعه عن العمل بثلاثة أشهر علي الأقل، وذلك دون الإخلال بحق الصحفي في التعويض). وإذا توقفنا أمام نقابة الصحفيين التي تأسست 1941، إي انها تبلغ من العمر حوالي السبعين عاما ، سنجد أنها قضت منها حوالي خمسين عاما في ظل قانون إعادة تنظيم الصحافة 1960، بمعني أن 75% من عمر نقابتنا العتيدة كانت نقابة مهنية غير مستقلة عن الدولة، وحتي بعد صدور قوانين أخري لتنظيم مهنة الصحافة مثل القانون 96 لسنة 1996، فأن نقابتنا تعيش علي إعانات الدولة، هذا إقرار للواقع. ولكن الجانب الاخر من الصورة برز في العشر سنوات الاخيرة التي تأسست فيها العشرات من الصحف الخاصة، والفضائيات وكلاهما لا يخضع من حيث المرجعية القانونية لسلطان نقابة الصحفيين، بل إن المؤسسات الصحفية الخاصة تعود مرجعيتها القانونية كشركات مساهمة لقوانين الاستثمار أكثر منها لقوانين تنظيم الصحافة وهذا هو المأزق فملاك تلك الصحف لا ولاية للنقابة عليهم سواء علي المستوي القانوني أو الأدبي، في حين أن الصحفيين العاملين في تلك المؤسسات أعضاء في النقابة ويجب علي النقابة الدفاع عنهم!! أننا أمام مأزق ثلاثي الأبعاد: صحفيون غير مؤهلين للجمع بين القيم الضميرية والمهارات الصحفية، وملاك جدد من رجال أعمال لا يدركون الفرق بين إدارة مؤسسة اقتصادية ومؤسسة صناعة ضمير ورأي عام ، ونقابة مطلوب منها الدفاع عن حقوق أعضائها في مواجهة من لا ولاية لها عليهم. الحل في التعددية النقابية بيدنا لا بيد البدوي وإدوارد ورجال الأعمال والله أعلم.