في ليلة أسطوية معجونة بعبق وعظمة الحضاره والتاريخ بين أحضان الأهرامات.. ليلة اختلطت فيها البهجة بالفن، و شموخ الأصالة بكبرياء الحاضر.. شهدها مسرح باحة الأهرامات بجوار مسرح الصوت والضوء في الثامنة مساء الثلاثاء 5أكتوبر وذلك في افتتاح عروض أوبرا عايده التي تنظمها دار الاوبرا المصريه بعد غياب 8 سنوات والتي تواصلت علي مدار أربع ليالي :الأربعاء والخميس والاحد 6، 7، 10 أكتوبر الجاري، وكان الحدث ذا طبيعة خاصة، حيث الاحتفال بمرور 140 عاما علي تقديم أوبرا عايده لأول مرة في مصر بدار الاوبرا القديمة التي حرقت، حتي عوض الله الشعب المصري بدار اوبرا تجسد اشعاعا ثقافيا غزيرا، وذراع ممدودة لكل ثقافات العالم..ومما زاد من بهجة الحدث أنه جاء متزامنا مع احتفالاتنا بانتصارات أكتوبر المجيدة. في الهواء الطلق * بدأ العرض ليظهر الديكور المبهر للمهندس محمود حجاج، في الهواء الطلق؛ ليعود بالمشاهدين لأكثر من سبعة آلاف عام وقت وقوع الأحداث علي أرض مصر، ولكن بخطوط حديثة وغير تقليدية مع الحفاظ علي الطابع الفرعوني ثم يأتي من وراء روعة الديكور تصميم الإضاءة للمهندس ياسر شعلان الذي استطاع أن يبرز جماليات الديكور ومنح المشاهد شعورا واقعيا بالأحداث ، وكذلك مهندس الصوت أشرف عبد المحسن وذلك من خلال رؤية إخراجيه جديدة، تضمنت استخدام الخلفية التاريخية مع حركة الميكانيزم لخدمة العرض والتي تتجلي في مشهد النصر للجيش المصري؛ حيث يخرج الجيش المنتصر من منصة المشاهدين بالإضافة إلي مخارج ومداخل مجاميع الجنود ، وأيضا مشهد النيل حيث يشاهد الجمهور المركب الفرعوني يسير أمام الأهرامات وأبوالهول مع إسقاطات الإضاءة. بالإضافة الي مشهد المحاكمة وذلك في تناغم بديع مع الباليه المصري برشاقته المعهوده من خلال الرقصات الفرعونية التي صممتها أرمينيا كامل فنانة الباليه الرشيقة وزوجة مخرج العرض ورئيس دار الاوبرا والمستوحاة من الرسومات والنقوش المنحوتة علي جدران المعابد الفرعونية. نجوم من كل مكان ويأتي متزامنا مع كل تلك العناصر، الاداء الغنائي والتعبيري الراقي للنجوم ( السوبرانو الامريكية كريستينا كولمان في دور "عايده" ، التينور الأمريكي مارك هيلر " رادميس" ، الميتزو السوبرانو الصربيه دراجنا ديل موناكو " أمنيريس" ، المغني العالمي رضا الوكيل " رامفيس " ، الباص باريتون عبد الوهاب السيد " مللك مصر" ، الباريتون مصطفي محمد " أموناصرو " ، السوبرانو جيهان فايد " كبيرة الكهنه " والتينور تامر توفيق " الرسول " ) ليضفي مزيدا من التألق لعرض الافتتاح الذي قاد خلاله المايسترو الأيطالي مارشيللو موتادللي الأوركسترا والعازفين باقتدار وأبحر معهم في نغمات الموسيقار العالمي فيردي.. اهتمام اعلامي يذكر ان الحفلات شهدت حضورا مكثفا للقنوات التلفزيونية الاوربية والعربية ووكالات الانباء العالمية، إضافة الي حضور سفراء دول " الهند ، صربيا ، البرازيل ، لبنان " وسط تواجد جماهيري ل4000 مشاهد امتلأ بهم المسرح ..ومن الرائع أن عدد المشاهدين المصريين كان متفوقا علي الاجانب، مما يكشف بوضوح عن أن الجمهور المصري متذوق لأرفع فنون المعمورة، ومنتج لها ومصدر ( بضم الميم ). 3000 فنان! يذكر أن العرض شارك فيه أكثر من 3000 آلاف من الفنانين والعازفين والمجاميع وهم من فرق " أوركسترا أوبر ا القاهره ، كورال أوبرا القاهره وكورال أكابيلا بقيادة الدوميناتو ومايا جفينيريا ، بمشاركة باليه أوبرا القاهرة. قصة عايدة تدور قصة الاوبرا التي كتبها عالم الاثار الفرنسي اوجست مارييت في أربعة فصول حول الأسيرة عايدة ابنة ملك الحبشة اموناصرو التي تقع في غرام قائد الجيوش المصرية راداميس ويبادلها نفس المشاعر ويطلب منها والدها معرفة طريق الجيش المصري لغزو الحبشة فتقع فريسة الصراع بين الانتماء والوطنية والاخلاص لحبيبها وتكون النتيجة اتهام راداميس بالخيانة العظمي ويصدر الحكم بدفنه حياً لتنتهي الاوبرا باستسلامه في قبره الذي سبقته اليه عايدة. أوبرا لها تاريخ يذكر ان الخديو اسماعيل الذي تولي عرش مصر عام 1863 أمر ببناء دار الاوبرا الخديوية كي تشهد حفل افتتاح قناة السويس عام 1869 بتقديم اوبرا عايدة المستوحاة من رواية لعالم الآثار الفرنسي اوجست مارييت الذي عثر علي مخطوطات تروي حكاية قديمة عن وقوع قائد مصري في غرام اميرة حبشية اسيرة الا ان عايدة لم تقدم في حفل الافتتاح بسبب تأخر وصول الملابس والديكورات الخاصة بها من ايطاليا نظرا لظروف الحرب الفرنسية الألمانية، وحصار باريس واستحالة شحن الملابس والديكورات التي كانت تصنع هناك كما لم يتمكن فيردي من الحضور وقدمت بدلا منها اوبرا ريجوليتو ليتاخر بذلك عرض عايدة عامين عن الموعد المقرر له وقد دفع الخديو اسماعيل 150 الف فرنك ذهبي للموسيقار الايطالي جوزيبي فيردي نظير تأليفه هذه الاوبرا. واذا كان من مطلب فهو ان تظل مصرنا مصدر جذب لمتذوقي الفنون الرفيعة، مع تمسكنا بتراثنا الأصيل وابداعنا المتفرد.. وأن نبقي علي العهد حملة لمشاعل التقدم والحرية والسلام والتنوير بين شعوب العالم.