خرج الكاتب الصحفي الأستاذ محمد حسنين هيكل من السجن بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات بقليل، واستقبل الرئيس حسني مبارك المعارضين الذين شملتهم قرارات سبتمبر 1981 في القصر الجمهوري، وأعاد الصحفيين إلي صحفهم، وسمح للصحف الحزبية التي كانت قد توقفت بالصدور مجددا، لكن الأستاذ هيكل لم ينس للرئيس السادات، أنه أمر بأخذه من بيته علي نيل الجيزة لينام علي "البورش" في سجن طرة. وكتب الأستاذ هيكل واحدا من أروع كتبه وهو "خريف الغضب" ليسجل فيها أهم أحداث خريف 1981 التي أدت إلي مقتل الرئيس السادات، وتقريبا وظف معظم الكتاب لاغتيال السادات سياسيا ومعنويا بعد الاغتيال الجسدي الذي تعرض له، ورغم أن الكتاب تأريخ مهم لهذه الفترة الخطيرة من حياة مصر، فإن الأستاذ هيكل سيطرت عليه عقدة السادات أكثر من تحليه بالأسلوب العلمي المحايد في كتابه خريف الغضب. مصر علي موعد مع خريف آخر، يحلو للبعض القول أنه يحمل بعض الغضب، وبعض ملامح ضيق السلطة، وإن كنت أراه خريفا غامضا أكثر منه غاضبا، لأننا علي أبواب انتخابات نيابية مفصلية في نهاية الخريف، يحتشد لها الحزب الوطني جيدا، ويراهن علي أنه أصلح ذات البين خلال السنوات الخمس الماضية، ومن ثم جاء وقت الحصاد. لكن في المقابل تعتقد جماعة الإخوان، أنها ثاني أكبر جماعة سياسية منظمة بعد الحزب الوطني في البلاد، وبالتالي فهي تسعي لتحقيق إنجاز يقترب مما حققته في انتخابات 2005 عندما فازت بنحو 88 مقعدا برلمانيا، وهو إنجاز غير مسبوق للجماعة علي الإطلاق. وبينما كان مفترضا خلال السنوات الخمس الماضية أن تنهض الأحزاب السياسية من سباتها العميق، وتنزل إلي الشارع لتصنع لنفسها بعض مواطئ أقدام تساعدها في الاختبار القادم علي جماهيريتها وشعبيتها وتواجدها، فإنه لا يبدو أن الأحزاب السياسية قادرة علي قلب المعادلة، ومن ثم صناعة طرف ثالث قوي في المعادلة السياسية الثنائية القائمة منذ خمس سنوات. وفي هذا الجو الانتخابي المشحون تكثر الشائعات وأحاديث الصفقات لتضيف المزيد من الغموض علي الخريف الغامض في الأساس، رغم أن الحزب الوطني لو قرر مساعدة أحزاب المعارضة، وإخلاء بعض الدوائر لها في الانتخابات البرلمانية، ربما لن تجد تلك الأحزاب مرشحين يصمدون في مواجهة المستقلين، وحتي من يشقون عصي الطاعة الحزبية ويترشحون مستقلين عن الحزب الحاكم الذي ينتمون له. وكان يفترض أن يجد الحزب الوطني الحاكم في خزائنه الكثير من الإنجازات التي قامت بها حكومة الحزب، لكن الأداء الفردي، والصراعات الوزارية، وطموح بعض الوزراء في منصب رئيس الوزراء، وفقد بعض السياسات الحزبية الطموح مغزاها في دهاليز الحكومة، جعلت هذه الحكومة عبئا علي الحزب وليست عونا له. علي بعد شهر وعدة أيام من نهاية غموض هذا الخريف يدعي كل فريق أنه يمتلك الشارع، والبعض مثل الإخوان يهددون باستخدام القوة والعنف في العملية الانتخابية، بينما وفقا للمشهد الموجود في جميع الدوائر فإن أعداد المرشحين ستصل إلي عدة آلاف، بينهم الكثير من رجال الأعمال الذين سينفقون بلا حساب، في مواجهة مرشحين ينتمون لعائلات وقبائل وعصبيات، وفي مواجهة مرشحين يرفعون شعارات دينية ويتحدثون باسم الله. ووسط هذا الخليط غير المتناغم، وعديم المعرفة بقواعد السياسة، سيظل الخريف علي غموضه، حتي إعلان نتائج انتخابات مجلس الشعب المقبلة.