جاء دخول أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم للوزارة في وقت يلتفت فيه الجميع ويشتكون من أحوال التعليم !جاء يواجه الفراغ والذهول والخوف والأكاذيب المقرّرة التي استسلمنا لعظمة زيفها..كلّ بيت مصري لم يعد يملك حيلة بإزاء، انفلات المدرسة، والدروس الخصوصية، والكتاب الخارجي والبحث عن أسهل الطرق ومنها الغشّ وتسريب الأسئلة، لاجتياز الامتحانات و الطمع في مجموع يدفع إلي كذبات جديدة اسمها كلّيات القمّة.. وكانت الحقبات قد طالت علي أرض التعليم في مصر،منذ أعلن وزير المعارف العمومية عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، نداءه الشهير بأنّ التعليم ضرورة كالماء والهواء وافتتح مشروع مجانية التعليم الذي لابدّ أنّ يحمل بالضرورة عوائق النهوض، واتّخذت الإجراءات التي تسهّل قبول أبناء العمّال والفلاّحين في مراحل التعليم المختلفة وعلي وجه الخصوص الجامعات .وخلق التعليم علي مستوي واسع وضخم الطموحات التي لايمكن تلبيتها ببساطة والتي تزداد تعقيدا بالزيادة الهائلة المضطردة في أعداد السكّان . وكان علي كل ّوزير للتعليم أن ينجو بالنداء السامي من المطامح والمطامع السياسية والتي ابتذلت كثيرا المقاصد الخيرة لمجّانية التعليم. ولم تعد المسألة هي مجرّد تحطيم الحواجز التقليدية وظهور المدرسة الحديثة وتطوير التعليم الأزهري والاعتراف بالتربية كصنو ملازم للتعليم إن لم تكن جوهره الثمين، حتّي اقتضي الأمر أن نغير اسم الوزارة من المعارف العمومية إلي وزارة التربية والتعليم . يستلم الدكتور بدر الوزارة في عام يمكن أن نسمّيه عام انفلونزا الخنازير ،وقد عرف عنه أنّه لاتوجد لديه خطوط حمراء.خاض معارك كثيرة عندما كان نائبا ثمّ رئيسا لجامعة عين شمس في وقت متزامن مع صعود أنشطة الإخوان، وقد عمل طلابهم في الجامعة تحت لافتة الإخوان المسلمين « بدلا من اسم الصوت الإسلامي» الذي اعتادوا استخدامه. وحال بعناد صارم دون أن تصبح الجامعة مسرحا لقدرة الإخوان ونشاطاتهم لاستعراضات العنف والقوّة.لايمكن أن نغفل ذلك ونحن نتدرّج مع ملفات ينادي الوزير بفتحها. والإرث ضخم فالتربية قبل التعليم وتطوير مناهج التعليم قبل الجامعي ونظم الامتحانات..ومصر تشوّشها الثقافة السلفية والنقاب وعدم فهم الآخرين. في نظر بدر ، يبدأ الأمر كما في زراعةأي أرض، بتطهيرها ممّا يعيق الغرس فيها وأوّل ما يبدأ التطهير، يكون بإزالة عوائق تعلّم الفهم ! والآن رافق تحقيق انضباط المدرسة ،ثم ّ معركة الكتاب الخارجي ، ثمّ إعلان الوزير عن نيته في التصدّي لمعضلة الدروس الخصوصية مع ما قامت به اليونسكو منذ سنوات قليلة .قامت برعاية مداخلة عالميةانطلق ضمن معطياتها أنّ هناك فرقا بين أن نربّي أبناءنا لتحصيل الموّاد الدراسية، نسهّل المسائل في مصر، حتّي نكاد نوقف أمخاخ أبنائنا وبناتنا بالدروس الخصوصية وسلاح التلميذ والأضواء والأنوار والأجوبة النموذجية علي الأسئلة المتوقّعة .. وكلّ مايمكن ذكره، من شوشرة وجدل يدوران الآن تحرّكهما المصالح الخاصّة والربح والاستغلال. وأوّل مايتجاهلونه عن عمد يظهر في حقل التعليم نفسه، يمضي الطفل المصري ثماني سنوات في التعليم الأساسي دون أن يجيد لغته الأمّ، ويتعقّب المجموع في الثانوية العامّة الطلاّب لتحديد وتقدير ميزاتهم. وماكنّا نسمع عن دروس خصوصية بالجامعة أو ملخّصات قبل أن تنبت هذه الحشائش الضارّة بالتعليم ما قبل الجامعي . إنّ بقاء مثل هذه العوائق، وهذا النشاط العارم للمدافعين والمبرّرين، لايعد إلاّ بإحباط النهوض بالتعليم الذي ينويه بدر. يقول حوار اليونسكو يمكن ويجب تعليم أبنائنا الفهم، بل يجب علي مؤسّساتنا التعليمية أن تكرّس تعليم الفهم ليكون أهمّ تطلّعاتها. إنّ وزير التعليم لايفتح ملفّات سهلة ،ولايثير معارك للتباغض، أقلّ ما يدعونا إلي التعاطف معه ، أنّنا نملك الدلائل علي أنّ مدارسنا الثانوية تخلو فصولها مع مرحلة الثانوية العامّة وقد تفرّق تلاميذها إلي مجموعات التقوية وملوك الكيمياء والفيزياءوكلّ مادّة يمكن جني الأرباح من وراء تدريسها خصوصيا أو توليف مختصرات لتحصيلها .. أتريدونه ليكون وزيرا لمهزلة تعليمية ؟ أم يقاتل قتال الفاهمين لمجرّد تجهيز عقول التلاميذ تجهيزًا جيدًا لجمع المعلومات عن العالم المحيط بهم. يخرجنا من الصندوق المغلق علينا بمدرستنا ومدرّسنا ومناهجنا ونظم امتحاناتنا، إلي عالم من قدرة أدمغتنا علي التعلّم والتأثير فيما حولنا.