مثلهم كباقي معاصريهم من الشعب المصري، مروا بتجربة حرب أكتوبر، إما مشاركين أو شاهدين علي الحدث، لكن الفنانين التشكيليين، الذين خاضوا الحرب أو شهدوها، كانوا من أكثر من تأثر بها، مازال انعكاسها واضحًا في أعمالهم الفنية، فتلك الفترة كانت الأكثر تشكيلا لوجدانهم. اعتبر الفنان الدكتور أحمد نوار أن حرب أكتوبر علي المستوي الإبداعي، لم تلق التأثير المباشر في الدراما والسينما والمسرح والفن التشكيلي وكافة المجالات الفنية الأخري، ولم نجد استمرارا لحس الانتصار الذي كان من المفترض أن يظهر فيما يتعلق بإحساس الناس وطاقتهم، وتأثير ذلك في المجتمع بأن كل مواطن يتقن عمله، ولكن لم يتم ذلك. يواصل : أري كذلك أن السينما التي تشتمل جميع مجالات الفنون المختلفة، اقتصرت علي بعض الأفلام الروائية المتواضعة، التي كان يجب أن تستمر لتصل إلي مستوي يرقي لنصر أكتوبر، وهذا للأسف ما لم يحدث، وأنا تبنيت حملة منذ خمسة وعشرين عاما لإنتاج فيلم يليق بالحدث، ولم يلق اهتماما باستثناء مبادرة وزارة الدفاع، التي استجابت للاقتراح، وأبدت استعدادا للمساهمة، في عمل تتكاتف لإنتاجه المؤسسات المعنية بالسينما، وهو ما لم يتم حتي الآن أيضا. أما علي المستوي الشخصي فأنا اعتبر جميع إنتاجي الفني حتي بعد حرب أكتوبر يعبر عن القضايا الإنسانية بشكل عام، كقضية فلسطين والتفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا، وحرب فيتنام؛ وذلك لأنني عندما التحقت بالقوات المسلحة عام 1968، عشت حالة الحرب علي الواقع، وكان لها تأثير كبير علي إنتاجي الفني، ولكن بشكل غير مباشر، فأعمالي تبحث في ثناياها ومضمونها عن قيمة السلام، وعلاقة الحرب بالسلام، وكيفية تحقق معادلة السلام، وصولا إلي آخر معرض أقمته في العام الماضي 2009 في قاعة "أفق واحد"، والذي اعتبره شحنة كبيرة تفجرت فاجأة بعد مرور خمسة وثلاثين عاما تحت مسمي العبور، وهذا المعرض قدمت فيه ملامح لروح الطاقة الداخلية للمقاتل المصري، وهذا هو محور مضمون أعمال المعرض. ومن جانبة قال الفنان الدكتور فاروق وهبة: أننا قضينا سبع سنوات مهمة جدا من عمر الإنسان من سن العشرين وحتي الثلاثين في فترة الحرب، كانت كفيلة بأنها تحول الإنسان إلي شخصية أخري بخلاف شخصية الفنان المرهف الحس؛ ولكن بعد فترة الجيش كان هناك تأثير كبير جدا بهذه الأحداث في تجربتي الفنية؛ حيث حدث نوع من أنواع الثقل وبعد الرؤية وعمقها، ومدي صدق العمل الفني المتأثر بالأحداث، وتوالت بعد ذلك التجربة في الصعود مستندة علي تلك الأرض الخصبة التي بنيت عليها من جراء المشاركة والمعركة، أنا لا اقدم أعمالا مباشرة، لكن كان الإنسان هو محوري في العمل، وما يعتريه من كوارث وأحداث تتعلق بهزيمة الإنسانية، وكيفية الدفاع عنها من خلال الإبداع نفسه، وأستطيع أن اقول إنه فن "الأزمة"، أما النتائج فقد كانت في هذا الوقت مبهرة جدا ومؤثرة للغاية، كتب عنها الكثير من النقاد كبيكار ومختار العطار وغيرهما؛ حيث تناولوا الأزمة في أعمالي الفنية ومدي تأثير الحرب علي وضوحها بها، أما عن أعمالي في الفترة الحالية فقد تبدلت إلي درجة من درجات التجريب، لكن هذا العمق توصلت إليه بعد أن خضت في التجربة التي أعقبت الحرب؛ حيث أصبحت إنسانا يتناول الأشياء بعمق وتروي، وبدرجة من درجات البحث. أضاف وهبة: أما عن الحركة التشكيلية أثناء الحرب فقد كان الإنتاج التشكيلي روائيا ليس به درجة من درجات العمق؛ لأنه في أعقاب أزمة نكسة عام 1967 كان يوجد انهيار لم يصلحه إلا نصر عام 1973، الذي استرد به الإنسان المصري روحه التي ضاعت في الأزمة. وبعد الحرب كان يوجد تجارب كبيرة للإنسان المباشر "الرواية حتي الثمانينيات"، أي الأرض كانت خصبة للمتغيرات وللعمق في الرؤية الفنية والبحث الحقيقي، حتي تبدلت الحركة التشكيلية واصبحت حركة تستطيع أن تساير العالم بما فيه من أحداث، وتستطيع أن تقف بتجاربها وسط التجارب العالمية، وأحداث الحرب كانت دافعًا قويا لتغير شكل الفكر في الحركة التشكيلية. وأكد الفنان عصمت داوستاشي أن: في وقت الحرب لا يوجد رد فعل سريع مواكب لما كان يحدث؛ لأن الناس كانت منشغلة باستماع الأخبار، كما أنه يوجد فنانون كثيرون شاركوا في الحرب، لكن بعد نصر أكتوبر لم تعبر الحركة التشكيلية عما حدث في الحرب، حتي كثير من الفنانين الذين شاركوا في الحرب لا نري رد فعل أو استلهام لهذه الحرب في أعمالهم، حتي في مجال السينما المصرية التي لم تقدم حرب أكتوبر بأهمية الحرب نفسها والإنجاز الذي حققه الجيش المصري في هذه الحرب، وكذلك في مجالي الأدب والفن التشكيلي، حتي عندما أنشأوا بانوراما حرب أكتوبر احضروا فنانين من كوريا كي يرسموها، وكلفوا بعض الفنانين المصريين بعمل بعض الأعمال النحتية والجدارية علي هامش البانوراما نفسها، ولم ينشئها مصريون. والمفارقة أنني في نكسة عام 1967 عبرت مع كثير من الفنانين، عن المعاناة والإحباط والنكسة التي حدثت لنا، وكان إنتاجي الفني لمدة عامين عن هذه النكسة، لأنها كانت هزيمة قاسية جدا، فهل استنتج من ذلك أن الهزيمة هي التي تولد الطاقة للإبداع؟!!، والانتصار يجعل هذه الطاقة في راحة وحسب، فبيكاسو أيضا عندما أنتج لوحة "الجورنيكا" رسم الهزيمة والضرب والقتل والوحشية والدمار ولم يرسم الانتصار؛ ولذلك أري أنه من الواضح أن النصر لم يولد طاقات إبداعية مثل الهزيمة التي تفجر الطاقات الإبداعية عند المبدعين.