أنا أعتقد أن قيادات جماعة الإخوان المعاصرين، قد قرأوا رسائل إخوان الصفا، وأنهم قد اهتموا بوجه خاص بالطريقة التي تجند بها الجماعة أعضاءها بغض النظر عن الاختلافات في توجهات التنظيميين، فطريقة التجنيد في العمل السري واحدة في الدين والسياسة، وبقية النشاطات الإنسانية التي تتطلب الإخفاء وهي تبدأ عادة بتغطية احتياجات العضو الحياتية لكي لا ينشغل بها "فيكون قد أفرغ لنا قلبه وأجمع لنا رأيه، واستغني عن ذلك بقوة نفسه وتميز عقله" المدهش في أمر جماعة إخوان الصفا هو ذلك الفهم العميق للنفس البشرية ونوازعها الخفية. يتضح ذلك في نصائحهم للداعية عضو الجماعة "واعلم أن من الناس من يتشكل بشكل الصديق ويدلس عليك بشبه الموافق ويظهر لك المحبة وخلافها في صدره وضميره فلا تغتر أو تتيقن، فإذا رأيت الرجل معجبا صلفا أو نكدا لجوجا أو فظا غليظا، أو مماحكا مماريا، أو حسودا حقودا أو منافقا مرائيا، أو بخيلا شحيحا أو جبانا مهينا أو مكارا غدارا أو متكبرا جبارا أو حريصا شرها أو كان محبا للمدح والثناء أكثر مما يستحق، أو كان مزريا لنظرائه أو كان مستحقرا لأقرانه والناس، ذاما لهم، أو متكلا علي حوله وقوته فاعلم أنه لا يصلح للصداقة وصفوة الأخوة، لأن هذه الأخلاق والآراء والعادات مفسده لاعتقاده لإخوانه، وذلك أن من يختار المطالبة بما لا يجب له، لا تسمح نفسه ببذل ما يجب عليه. وهكذا الحسود واللجوج والغضوب، تمنعه هذه الأخلاق من الإذعان للحق وهكذا اللجاج والتكبر يمنعان عن قطع الجدال والخلاف. وكذلك الفظاظة والغلظة تمنعان من العذوبة والسهولة" كما تري، هي رسالة دكتوراة مضغوطة للغاية لخبير لا يشق له غبار في فهم شخصية المنحرف الوغد الذي لا يجب وجوده في الجماعة، ولكن من الناحية العملية فإن عضو الجماعة كانت سنه لا تتجاوز الخامسة عشرة من عمره عندما يلتحق بها، بمعني أدق عند مفاتحته وضمه للجماعة، وبلغة هذه الأيام عند تجنيده بواسطة الداعية المكلف بذلك. في هذه السن من المستحيل أن يكون الصبي أو الغلام الذي غادرته الطفولة منذ لحظات، من المستحيل أن تكون شخصيته قد انحرفت في اتجاه عوار من تلك التي أشارت إليها النصائح. هكذا يمكن فهم هذه النصائح علي نحو مختلف وهو أنها ليست أكثر من بروباجندا لتحسين وجه الجماعة عند العضو الجديد، هي ليست أكثر من نشرة أصدرتها هيئة الاستعلامات في الجماعة والهدف منها هو إقناع الناس بأن أعضاء الجماعة من المستحيل أن يوجد بينهم شخص به عيب من هذه العيوب. هي قطعة أدبية رائعة بالفعل غير أنها تنتمي إلي عالم البروباجندا بأكثر مما تنتمي إلي عالم الأدب أو التحليل النفسي. المشكلة في التنظيم السياسي أو الاجتماعي أو الديني بفرض مثاليته وصدقه في إعلان أهدافه وإيمانه بها، أنه عندما يلجأ إلي السرية في مرحلة من مراحل تطوره، يبدأ في الوقت نفسه في التخلي عن المقاييس التي حددها هو بنفسه لشخصيات أعضائه. أن تكون شيئا في العلن وأن تكون شيئا آخر في السر تصنع في عقلك التواءات من المحتم أن تمشي بك في طريق الشر.هناك أسرار في المهنة، أي مهنة وكل مهنة، وعدم كشف هذه الأسرار جزء لا يتجزأ من شرف المهنة، ولكل دولة أسرارها، والحفاظ عليها في دائرة السرية فيه حماية للدولة ككل، ولكن في كل الأحوال لابد أن تكون دائرة الأسرار ضيقة للغاية وإلا أدت إلي عكس الهدف منها.