من عادة وزير الداخلية حبيب العادلي أن تكون تصريحاته في نطاق ضيق.. وألا تتكرر.. بل إن من المعتاد أن يدلي فقط في كل عام بحوارين في شهر يناير خلال أعياد الشرطة فقط.. أحدهما تليفزيوني والثاني صحفي.. ما يعني أنه حين يكسر تلك العادة فإن من الواجب أن ننتبه إلي ما جاء في كلماته. أمس نشرت جريدة الأخبار، ووكالة أنباء الشرق الأوسط، تصريحات مطولة للسيد الوزير كان عنوانها في الصفحة الأولي للزميلة الأخبار: «انتخابات مجلس الشعب القادمة ستكون ساخنة ونواجه أي محاولات لإثارة الشغب والبلطجة».. وفي الحوار تحدث الوزير عن موضوعات مختلفة.. من الإرهاب ومراجعات تنظيمات اسلامية متطرفة إلي سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» والعنف الأسري.. لكنني أرغب في أن أتوقف عند ما قاله في تصريحات بشأن الانتخابات والحراك السياسي في الشارع.. وفيما يلي قراءتي لها: - ربط الوزير بين توقعه سخونة الانتخابات وبين أربعة مبررات: واقع اجتماعي واقتصادي يتغير - حرية التعبير والمناخ الديمقراطي - التعديل الذي طرأ علي قانون الطوارئ وقصره علي الإرهاب والمخدرات - الإجراءات التي تقررت في تسيير العملية الانتخابية. - تحدث الوزير عن التعديل في تطبيق الطوارئ باعتباره نتيجة للمناخ الديمقراطي وحرية التعبير.. وهذا مهم وجدير بالرصد.. لكن الأهم أن هذا كلام واضح من الداخلية يؤكد أن الطوارئ لن تكون مستخدمة في الانتخابات.. وهذا تعهد مضي هو إليه مجدداً.. دون حتي أن يدفعه السؤال الصحفي إليه. وهذه رسالة نضع تحتها خطاً.. تؤكد طبيعة المناخ الذي سوف تجري فيه العملية الانتخابية وتزيل تخوفات غير مبررة.. وتلجم من يطالبون بأن ترفع الطوارئ وقت الانتخابات.. كما لو أن البلد يدار بالقطع الزمنية. - لم يتجاهل الوزير مجموعة الاعتبارات التي عادة ما يتجاهلها سياسيو القاهرة.. بشأن العوامل الاجتماعية والتقاليد التي تؤثر في الانتخابات.. ومنها «العزوات - العصبيات العائلية».. وقد أضاف إليها تحالفات انتخابية تتراجع معها اعتبارات مهمة في التمثيل النيابي.. أي أن الانتخابات لا تكون فقط خاضعة لمعايير السياسة كما يعتقد الكثيرون. ووجهة نظري أن الأحزاب التي تضع تلك الاعتبارات في حسبانها.. تضمن بخلاف المواقف الأيديولوجية والبرامج الاجتماعية أن تتوافق مع طبيعة المجتمع.. ناهيك عن أن هذا الوضع المجتمعي أيضا هو الذي يفجر ما لا نريده في الانتخابات. - توقع الوزير أحداثاً خارجة عن القانون في الانتخابات، أي لم يتطوع بالقول بأنها سوف تكون عظيمة وخالية من أي سوء. لكن توقعه ارتبط بتعهد وتحذير أكد فيه أن الداخلية لن تقف مكتوفة الأيدي.. تجاه أي محاولة لإثارة الشغب والبلطجة.. حتي وهو يؤكد أن المسئولية الشرطية تقتصر علي تأمين مقار الانتخاب من خارج اللجان. - الذي أريد أن اتوقف أمامه أكثر هو تصور الوزير لموضوع المسئولية عن إثارة الشغب والبلطجة.. فهل تحذيره يشمل فقط ما يحدث علي أرض الواقع من وقائع.. أم أن فعل الإثارة المجرم يشتمل كذلك علي من يدفع في اتجاه الإثارة بأساليب مختلفة.. ولو لم يكن في مكان واقعة الشغب.. بمعني أوضح: هل فعل الإثارة المحذر منه يشمل جماعات ومواقع ومطبوعات وصحفاً تدفع إلي تأجيج الشغب؟!.. سؤال سوف تجيب عنه المجريات.. لكن التحذير واضح في رأيي الخاص. - بغض النظر عن أن الوزير قد قال إن الإخوان جماعة محظورة منحلة.. لا يجوز لها أن تتقدم بمرشحين إلي الانتخابات.. وأنهم يتقدمون مستقلين.. فإن ما قاله الوزير ويعتبر مهماً للغاية، هو أنه حذر من استخدامهم للشعارات الدينية.. ما يعني أن الوزير، قد استدعي من صلاحيات الداخلية القانونية ما يعطيها الحق في أن تقف لهذا بكل صرامة.. فالقانون يمنع استخدام الشعار الديني.. ولن يكون الأمر متروكا لبلاغ يتقدم به مرشح أو حزب.. وإنما سوف يكون للداخلية - بما تملكه من ضبطية قانونية تدخلات واضحة وشرعية. - الوزير بهذا يبعث رسالة إلي الجميع بشأن تطبيق معايير القانون.. وأن النصوص التي وضعت في القانون لن تجمد.. ولن يتم تجاهله.. وأن الداخلية سوف تحيل فوراً إلي جهات التحقيق من تري أنه خالف القانون.. وهذا حسم واجب يقوض الانفلات ويدفع الذين ينوون العبث أن يفكروا مرتين وثلاثاً قبل أن يعبثوا. - كنت أتمني علي السيد الوزير أن يمضي في تفصيل أكبر وشرح أبعد.. وهو يتحدث عن أهداف أخري يريدها أولئك الذين يستغلون مناخ حرية التعبير من خلال تنظيم المظاهرات غير المقرة قانوناً.. والمسيرات غير المصرح بها.. لقد قال: بالطبع إنهم يهدفون الي ارباك الشارع وتحقيق أهداف أخري.. لكنه لم يكشف تلك الأهداف المعلومة لديه بالتأكيد.. غير أنه من الواضح أن تلك رسالة لمن حاولوا أن يختبروا قدرة الشرطة في الأيام الماضية.. إذ تكلم الوزير عن أن المسيرات غير المصرح بها تترك إذا لم يكن من المتوقع منها أن تؤدي إلي مشكلات أمنية.. وهو معني يجب أن يفهمه الذين يعتقدون أن الشرطة خائفة أو لا تقدر علي المواجهة.. ولا أعتقد أن هذا العبث سوف يكون متاحاً في مناخ الانتخابات. - العبارة التالية في تصريحات الوزير قد لا تحتاج إلي تعليق.. فقد قال: «أقول لمنظمي تلك المسيرات والمظاهرات إن أهدافكم واضحة.. ودليل ذلك عدم تجاوب جموع الشعب معها.. أو الانضمام لها.. رغم جهود مكثفة ومضنية لمحاولة دعوة المواطنين أو تجميع كوادر سياسية شرعية. وضعا في الاعتبار أن تحرك عناصر تنتمي إلي كيانات غير شرعية ولها نشاطها المجرم يضع هذه التحركات في مجال المساءلة القانونية بصدد النشاط». إن هذا يعني أن تلك المسيرات تسبقها عمليات وتحركات مرصودة وليست غائبة عن الاهتمام.. كما يعتقدون.. كما أنني أفهم من كلامه عن الكيانات غير الشرعية أنها لا تقتصر علي الإخوان وحدهم. انتهت قراءتي لتصريحات وزير الداخلية. www.abkamal.net [email protected]