الكتب الخارجية تعد - وبكل المعايير - وباءً مدمراً: علمياً وتعليميا، عقلاً وفكراً واقتصاداً بل ولكل ما يبذل من جهود لتطوير تعليمنا المصري. ولنبدأ بأخف الأضرار لهذا الوباء والذي يتعلق بالجانب الاقتصادي فليس بخاف علي الجميع مدي ما تتكلفه الأسر المصرية من نفقات وتكلفة تتعدي المليار من الجنيهات يضاف مثله إلي ما تنفقه علي الدروس الخصوصية علي أساس أن هذين الوبائين باتا يغطيان أن جميع المقررات الدراسية والمراحل التعليمية وتتضاعف الخسارة الاقتصادية إذا وضعنا في الاعتبار إهدار ما ينفق علي وضع وطباعة الكتب المدرسية الرسمية والتي لا تقل هي الأخري عن المليار جنيه أو يزيد. أما الضرر والخطر الأكبر للكتب الخارجية فهو تدمير العملية التعليمية وعقول أبنائنا فهي ليست كتبا بالمعني العلمي المتعارف عليه والتي تدفع لأعمال العقل والتفكير والمقارنة والتحليل والاختيار من بدائل وإنما هي مجرد معلومات وتلخيص للكتاب المدرسي أو المستمدة منه وبها مجموعة من الأسئلة والأجوبة عنها وعلي الطالب أن يحفظها وفقط لدخول الامتحان وسرعان ما تتبخر هذه المعلومات بمجرد أداء الامتحان وهذا أحد أهم عوامل انتشار هذه الكتب يضاف إلي عوامل انتشارها: أسلوب الامتحانات المدرسية والتي توضع بطريقة تساعد أو لا تقيس إلا عملية الحفظ والاستظهار وهذا ما يجده الطالب في الكتب الخارجية. الكتاب المدرسي الرسمي وما يعانيه من عيوب في التأليف والمحتوي والمضمون والشكل وصعوبة الإلمام بالمحتوي وفقدانه عمليات التدريب، التحليل والتفكير. انتشار الدروس الخصوصية حيث يعتمد المدرس الخصوصي علي هذه الكتب لسهولة الإلمام بمحتواها وتكليف الطالب بحفظ معلوماتها والأجوبة عما بها من أسئلة متوقع أن تأتي في الامتحانات بخبرة المدرس الخصوصي أو بعلمه بها من خلال أساليب دنيئة يمكن أن يتبعها مع من يضعون الامتحانات المدرسية. وثمة تساؤل يفرض نفسه هنا: من الذي يقوم بوضع هذه الكتب الخارجية أو بتعبير أدق سرقة محتوي الكتاب المدرسي وصياغته في شكل كتب خارجية والإجابة هي أن معظمهم من الذين يدخلون مسابقة تأليف الكتب المدرسية الرسمية وهؤلاء يقومون بتأليف الكتاب المدرسي الرسمي بسرعة ودون اهتمام ضمانا لدخول المسابقة والفوز بها في الوقت الذي يقوم فيه بالتأني في إخراج الكتاب الخارجي تلخيصا، أسئلة وأجوبة لأنه الكتاب الذي سيحقق له عائداً يفوق بمراحل ما يحققه من الوزارة. وثمة تساؤل آخر يفرض نفسه: لماذا يحرص الطلاب وأولياء الأمور بل والمعلمون وأصحاب دور النشر علي وجود الكتاب الخارجي؟ والإجابة واضحة وتتلخص في الآتي: إنه بالنسبة للطلاب وأولياء الأمور فإنهم يحرصون عليه بالرغم من أنه يشكل عبئا ماليا لأنه يساعد علي الامتحان خاصة أنه كما سبقت الإشارة به الأسئلة والأجوبة بل وموضوعات التعبير وما علي الطالب إلا أن يحفظها للامتحان. إنه بالنسبة للمعلمين فإنه يساعدهم علي تحفيظ الطلاب وعدم بذل جهد في الشرح كما أن المعلمين ومعظمهم يعطون دروساً خصوصية يساعدهم في إعطاء هذه الدروس بل وعمل مذكرات يقومون ببيعها للطلاب. أما بالنسبة للناشرين فهي تعد تجارة رابحة خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن الكتاب الذي تتكلف طباعته 5 جنيهات يتم بيعه بما يقرب من 20 جنيها وأنه وفي كل الأحوال لا يمكن أن تزيد طباعة أي كتب مهما كان حجمه 10 جنيهات ويتم بيعه بما يقرب من 30 جنيها. ومن خلال هذه المبيعات والحجم الكبير للكتب الخارجية واعتماد معظم التلاميذ والطلاب وفي كل المراحل التعليمية علي هذه الكتب لنا أن نتوقع مدي الأرباح الطائلة للقائمين علي نشر هذه الكتب أو قل «مافيا» الكتب الخارجية. باختصار ومن كل ما سبق يمكن القول: إن الكتب الخارجية تشكل وباء يجب القضاء عليه لما تسببه من خسائر تعليمية وعلمية وعقلية واقتصادية. إن هذه الكتب بينها وبين الدروس الخصوصية علاقة جدلية فكل منهما يساعد علي انتشار الآخر. إن العيوب الفنية في وضع الكتب المدرسية والامتحانات واعتماد الأخيرة علي الحفظ والاستظهار يساعد علي انتشار الكتب الخارجية. وهذه الخلاصة تجعلنا نؤكد أنه للقضاء علي وباء الكتب الخارجية وأيضا الدروس الخصوصية فإنه يجب تطوير الكتاب المدرسي والامتحانات المدرسية وفق معايير علمية تساعد علي تكوين عقلية أبنائنا وضمان تعليمهم تعليما قادرا علي التعامل مع معطيات العصر وتحدياته. لكن يجب أيضا ومن قبل ومن بعد أن يتكاتف الجميع في مقاومة هذه الأوبئة التعليمية وتكريس ثقافة الثقة بين أولياء الأمور والطلاب وبين المدرسة وزيادة وعيهم بأهميتها وخطورة هذه الأوبئة. وحيث إن انتشار هذه الأوبئة باتت متعمقة في وجدان وعقول من يتعاطونها فإنه يجب أن تكون مقاومتها بالتدريج والتدريج المحسوب لا بالطفرة أو الضغوط حتي لا يحدث العكس وهو التمسك بها وحدوث اضطرابات في العملية التعليمية ورد الفعل غير المحسوب من قبل أولياء الأمور والطلاب كما هو حادث الآن نقول ونكرر الأمر يحتاج التدرج والتأني في المقاومة مع ضرورة استمرارية هذه المقاومة مهما كانت الضغوط.. والله من وراء القصد