خمسون عاما تمر اليوم علي الخطاب الذي ألقاه الرئيس جمال عبدالناصر في الأممالمتحدة في السابع والعشرين من سبتمبر سنة 1960 وعبر من خلاله عن موقف السياسة المصرية تجاه القضايا الدولية المطروحة وقد تضمن الخطاب التاريخي دعوة للرئيسين الأمريكي والسوفيتي آيزنهاور وخروشوف للاجتماع من أجل السلام ووضع نهاية للحرب الباردة التي تهدد استقرار العالم كما طالب عبدالناصر بضم الصين الشعبية إلي عضوية الأممالمتحدة حتي تستقيم الأمور ويتحقق الإنصاف فليس من المنطقي أن تغيب الدولة الأعظم سكانا ويكون بديلها كائن بلا مذاق! إعادة قراءة الخطاب بعد نصف قرن تبرهن بجلاء علي وجود قواعد راسخة في السياسة المصرية تتجاوز الاختلاف النسبي بين عهد وآخر وأول وأهم هذه القواعد أن دولة في حجم مصر ومكانتها لا تعرف التبعية ولا يدين زعماؤها وقادتها بالولاء إلا لمصلحة الشعب المصري، قد تتباين الاجتهادات في الداخل لكن كلمة «مصر» هي التي تبقي مع زوال كل نظام وعندما يتطاول السفهاء ويزايدون فإنهم لا يعبرون بكلماتهم الطائشة المرذولة إلا عن الحماقة والمرض والاضطراب العقلي. كل من حول مصر يدينون لها بالفضل تاريخا وحاضرا والعطاء الذي تقدمه عاصمة العرب لايصاحبه من ولا أذي فالأمر واجب ورسالة وقدر ووليد تفاعلات قوامها التاريخ والجغرافيا والثقافة لا متسع للرد علي الأقزام الذين يتوهمون أنهم بالشعارات الملونة والشتائم البذيئة قد يكبرون ويرتقون. بعد نصف قرن من خطاب الزعيم جمال عبدالناصر تبدو الدعوة واجبة إلي إعادة قراءته وتحليله فعندها سيدرك الجميع أن السلام اختيار مصر الاستراتيجي وأن الاستقرار هدف لا يهدده إلا دعاة العبث والمغامرة. الخطب المنبرية لا تصنع تاريخا والتصريحات العنترية لا جدوي منها إلا التأكيد علي أن بعض التافهين يصممون علي الهزل.. والعالم يجد.