داري علي شمعتك تقيد، مثل مصري قديم عند تحويله إلي صورة من أجل فهمه، لابد أن نتصور شخصا يمشي في مكان مظلم وقد أوقد شمعة وهي بالطبع عرضة للانطفاء بسبب تيارات الهواء لذلك تراه يحمي الشعلة بكفه، أي يداريها. عدد كبير منا يمشي في شوارع الدنيا المظلمة وقد أوقد شمعة، وحتي لو كان الهواء ساكنا ، فلابد أن تكون أنفاس الناس قوية إلي الدرجة التي تطفئ شمعتك ولذلك عليك أن تداري عليها، المثل لا يطالبك بإخفاء حقيقتك بل يطلب منك بذل مجهود لحماية هذه الحقيقة. كان من الصعب علي ولسنوات طويلة الأخذ بهذا المثل ومراعاة تنفيذه في حياتي، ربما بدافع من الغرور أو الإحساس الزائد بالثقة بالنفس وكأنه لا يوجد علي الأرض من هو قادر علي إطفاء شمعتي، أما الآن فأستطيع أن أقول لك بافتراض أنني قد حصلت علي درجة معقولة من النضج، أنه يوجد دائما من هو قادر علي إطفاء شمعتك وشمعة من هو أتخن منك، وأن الطريقة الوحيدة للحفاظ علي ما توفره لك من ضوء هو أن تداري عليها. هنا أنتقل بك إلي فضيلة التواضع، عندما تكون قويا ولامعا وغنيا ومؤثرا فتأكد أن كل من حولك يدرك ذلك ويتألم من أجله فلا تضاعف آلامه بإعلان ذلك، لا تقل بصوت مرتفع علي الملأ.. أنا حلو قوي.. أنا محترف جدا .. أنا لا أعرف الخوف.. أنا ما حدش يعرف يصدني ولا يردني.. أنا ماليش سقف.. أنا طويل قوي وأعرف أخرم أي سقف.. هكذا تكون قد أمسكت بألف شمعة ومشيت بها في مواجهة الرياح والأعاصير. لا أحد يستطيع حماية شعلته في ألف شمعة، لذلك سيظهر لك حتما من هو قادر علي إطفائها جميعا. في أفلام فريد شوقي القديمة يوجد مشهد ثابت، يتحرش به أحد الفتوات في صفاقة فيرد عليه فريد في مسكنة: يا عم أنا غلبان.. هو أنا قدك يا عم.. سامحني.. حقك علي.. ولكن الفتوة يواصل التحرش به بينما فريد يرد عليه بأنه غلبان جدا وعند لحظة معينة من تصاعد المشهد يمسك به فريد ويضربه بالروسية في حركة مفاجئة ثم ينهال عليه ضربا هو ومن يتعرض له، عندها يصيح الجمهور في انتصار وفرحة. هو ليس معجبا بفريد لأنه ضرب الفتوة بل لأنه تظاهر بالضعف طويلا ثم أعلن عن قوته الساحقة، لقد تمكن من أن يداري علي شمعته.. أن يداري علي قوته. عندما تكون قويا فمن المؤكد أن الناس جميعا تعرف ذلك، فلا داعي لأن تذكرهم بضعفهم، شيء قريب من هذا المثال وإن كان أكثر شمولا وتعقيدا قاله كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق: علي الغزلان ألا تتباهي بطيب لحمها أمام الذئاب. عندما تكون غزالا جميلا، ذا لحم لذيذ وفير، فهذه هي طبيعتك وهويتك، لا حيلة لك في ذلك، أنت عاجز عن تغيير مواصفاتك، ولكنك قادر ويجب أن تكون قادرا علي عدم التباهي بطيب لحمك أمام الذئاب لأن ذلك يفجر بداخلهم رغبة قوية في التهامك. المباهاة أمر خطير للغاية.. في اللحظة التي تقول فيها للآخرين: أنا حلو قوي.. فلابد أن يكون ردهم عليك: طب تعال يا حلو لما ناكلك. صدقني النفس البشرية لا تعرف الديمقراطية وحقوق الإنسان، هذه مقولات عقلية بحتة وعملات تتعامل بها الناس في سوق الأفكار فقط، أما في المطاعم فلا توجد سوي لغة الأكل والالتهام. وأنت في مطعم يابني فلا تنسي ذلك. قلت ذلك كله لمقدم برامج شاب ناجح.