أيام قليلة فصلت بين وفاة شقيق محمد منير وصعوده إلي المسرح لإحياء حفل «أخبار اليوم» فبعد أن ترددت شائعات حول استحالة إقامة الحفل في مثل هذه الظروف فاجأ منير الجميع وأعلن أنه رغم الحزن مازال قادراً علي الغناء وأنه سيلبي نداء الجماهير علي الرغم من أنه قد قطع زيارته لألمانيا واضطر لإلغاء بعض حفلاته هناك عندما علم بأن شقيقه الكبير قد دخل في مرحلة الصراع مع المرض وأن حالته خطيرة ولم يتبق له في الحياة إلا بضعة أيام وبقلب الفنان وحس الإنسان أصر منير علي البقاء بجوار شقيقه حتي فاضت الروح إلي بارئها وهو ثاني أخ يفقده منير في أقل من عامين إلا أن حجم المأساة أكبر من مجرد مشهد الوفاة لأن طائر الجنوب المعذب بالغناء يعاني مرارة الفقد منذ بداياته الأولي فأول ما فقد منير هو قريته القديمة التي أغرقها السد العالي وتم تهجير أهلها إلي مكان آخر وبعد ذلك بدأ منير يفقد الأحباب واحداً تلو الآخر حتي صارت الوحدة شبحاً يثير الشجن والحزن والغريب أن هذه التجربة هي الصدي الحقيقي لأغنيات منير طوال مشواره وتعبر عنها الكلمات ففي أغنية «شجر اللمون» يقول: «كل شيء بينسرق مني.. العمر والأحلام والضي من النيني». كان الفقيد أول مكتشف لموهبة منير الغنائية حيث قدمه لأصدقائه لأول مرة بعد أن أكد لهم أن في صوت وروح هذا الفتي الأسمر دفئاً لا تحمله باقي الأصوات ومن خلال دعم الأخ الأكبر بدأت تتفتح موهبة منير وأوجاعه وظل الأخ هو المتذوق الأول لكل أغنية جديدة يقول رأيه فيها قبل أن يسمعها الجمهور لذلك غني منير في حفل أخبار اليوم كأن لم يغن من قبل وبسط يده في نهاية الحفل وارتفع صوته طالباً المدد ليتغلب علي مرارة الحياة وعندما بكي وهو يغني «مدد يا رسول الله» لم تتوقف عيناه فأي عزاء يجبر كسر مطرب بهذا الإحساس غير عبارة.. «البقاء لله».