التوعية بحقوق الإنسان هي عملية اكتساب المعلومات والمهارات والقيم ذات الصلة من أجل التعرف علي ما للمرء من حقوق وتأكيدها وإثبات أحقيته بها استناداً إلي المعايير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وبالتالي فإن حقوق الإنسان إحدي أدوات التمكين، ومن ثم فإن التوعية بحقوق الإنسان بطبيعتها يجب أن تمثل تدخلاً إيجابياً في حياة الأفراد. هي لا تقوم بالتالي علي افتراض أن نشر المعلومات عن معايير حقوق الإنسان هو غاية في حد ذاتها، فإتاحة المزيد من المعلومات عن حقوق الإنسان يمثل بالطبع نتيجة إيجابية لهذا النهج لكن لابد للتوعية أن تتعرض للعوامل الهيكلية الكامنة وراء مشاكل حقوق الإنسان. وبالتالي لابد من أن تكون التوعية ونشر ثقافة حقوق الإنسان تجسيداً جيداً لفكرة كون التوعية جزءاً من " العمليات الاجتماعية" وشكلاً من أشكال " السياسات الثقافية" بأن تسهم في تجسيد العديد من الطاقات البشرية المتنوعة بتشجيعها علي تطوير الطاقات والقدرات التي يمكنها أن توسع من معني إنسانية المرء. و أن تسعي التوعية إلي تمكين من يعيشون مهمشين في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من أن يطالبوا بوضع لائق بهم باعتبارهم أفراداً يشاركون مشاركة كاملة في المجتمع. و تمكين الأفراد والجماعات في المجتمع من أن يحققوا إنسانيتهم بصورة كاملة، فمن الضروري ألا تقتصر علي تسهيل العمل فحسب، ولكن أيضاً بتهيئة التفكير النقدي في نتائج ذلك العمل فالمعرفة ليست مجرد التحدث عن الواقع، وإنما هي إدراك التناقضات القائمة في الواقع بما في ذلك مصلحة السلطة فالتوعية النقدية هي عملية تغيير الفهم المتجزأ للواقع إلي فهم نقدي له. إن الإنسان الذي وصل إلي مرحلة الوعي النقدي يستطيع أن يربط بين الحقائق والمشاكل وأن يفهم العلاقة بين الجوع وإنتاج الغذاء، وبين إنتاج الغذاء والإصلاح الزراعي، وبين الإصلاح الزراعي وردود الفعل المناهضة له، وبين الجوع والسياسات الاقتصادية، وبين الجوع والعنف، وأن يري الجوع بوصفه صورة من صور العنف، وأن يري العلاقة بين الجوع والتصويت الواعي لصالح السياسيين التقدميين والأحزاب المدنية، وبين الجوع والتصويت ضد السياسيين الرجعيين والأحزاب الرجعية التي ربما يكون خطابها تقدمياً بصورة خادعة. فالمرء الذي وصل إلي مرحلة الوعي النقدي يستطيع أن يدرك بوضوح أن الجوع أكثر من مجرد عدم الأكل، بمعني أنه تجسيد لواقع سياسي واقتصادي واجتماعي، فالإنسان يؤمن بالله ويصلي له، فلا شك إنه سيركز في دعائه علي استلهام القوة منه للتصدي لما يتعرض له من انتقاص من الكرامة، والإنسان الذي وصل إلي درجة الوعي النقدي ويؤمن بالله يري الله حاضراً دائماً وأن الكون من صنع الله، ولكنه يجب أن يفهم أن التاريخ مصنوع من أفعال البشر وليس من صنع الله. وبالتالي فإن الفرد الذي بلغ مرحلة شحذ الضمير يفهم التاريخ ودوره فيه فهماً مختلفاً، فيرفض أن يقف جامداً، ويتحرك ويعبئ الجهود ليغير أوضاعه وأوضاع مجتمعه. وبالتالي فإن عملية نشر ثقافة حقوق الانسان لا تعني النقل الآلي لنصوص الإعلانات والاتفاقيات بل هي تهدف إلي التحسين والتوعية وتفعيل آليات الحماية لحقوق الإنسان لأنها في آخر الأمر مسألة تتعلق بشحذ الوعي الضميري من أجل التنمية والنهوض بالمجتمع وهذه رسالة لكل العاملين في نشر ثقافة حقوق الانسان .