لم تكن المغارة كما يطلقون علي المخزن - في بالهم وهم عائدون مهدودين من اللعب. لكنهم فور رؤيتهم القفل مفتوحا. اتجهوا نحوها دون تردد. فلا يتاح لهم كل يوم مخزن صاحبه غائب. تخيلوا أنفسهم وقد فتشوا الصناديق في وقت قياسي وخرجوا حاملين أشياء لم تخطر في بالهم، ولم يجدوا مشقة في إخفائها وهو يصعدون إلي شققهم. المهم أن يكون كل منهم بمجرد دخوله المغارة قادرا علي أن يلمح ما له قيمة قبل أن تصل إليه يد أخري. وأن يدفع بجسده من يمنعه من التقاطه. وأن يحافظ عليه وهو يكمل البحث حتي لا يتم خطفه أو يقع منه. تخوفوا من عودة صاحب البيت فجأة. أكد أشرف عدم عودته فهو أنهي زيارته منذ نصف ساعة وأكثر، وبالتأكيد وصل الآن إلي شقته بالدقي. هكذا في كل مغامراتهم يكفيهم تظاهر أحدهم بأن الطريق أمان حتي يتظاهر الباقون باستعدادهم لأن يكملوا. لم ينشغلوا باحتمال أن ينفتح باب عم محمود. فهذا خطر لابد منه. ودائما شقق الأدوار الأرضية تقلقهم ويتمنون لو كان أصحابها مسافرين كل الوقت. وسيكون أهم جزء يتذكرونه ويعيدون حكايته قدرتهم علي الدخول والخروج وتقليبهم في الصناديق دون أن يحس عم محمود. وسيتخيلونه بعد ذلك وهو يظن أن الحفيف الذي سمعه في المخزن إنما حركة الفئران السارحة فيه. أما إذا خرج من شقته فاحتمال كبير ألا يلمح مواربة الباب وعدم وجود قفل عليه فقد اعتاد صاحب البيت إغلاقه كأنه يحمي كنزا في الداخل. تقدم أحمد ومسك القفل ليرفعه. سمعوا صوت غناء سيد وهو ينزل. وما إن أطل عليهم حتي أشاروا إليه بأيديهم أن يسكت. وبدت إشاراتهم كأنها لطمات علي وجهه. ابتسم وهو يري القفل في يد أحمد. «أنا نازل اقفله» اتصل صاحب البيت بوالد سيد وأوصاه بالتأكد من أن باب المخزن مغلق. ومد سيد يده ليأخذ القفل. صاروا الآن تحت رحمته. لن ينتظر أن يأخذ شيئا مما سيعثرون عليه. فلابد أن يضمن حقه قبل أن يصير شريكا لهم. ولن يقبل بأن يعدوه بأي شيء آخر. كان يعرف أن أي وعد سيتراجعون عنه فور انتهائهم من المخزن. وسيقولون له إن الأمر من الأساس كان لا يستحق. وكلما كانت وعودهم بأشياء يحتاجها تأكد من أنهم يخدعونه.. فجأة أعطاه احمد القفل مظهرا عدم اهتمامه. راهنوا علي أن المفاجأة ستجعل سيد لا يطلب الكثير، وسيرضي عبد الرحمن إذا لزم الأمر بإطالة فترة إعارة أعداد مجلة تان تان له. لكن سيد اقترب من الباب وهو يقلب القفل بين يديه. وبينما كان يرفعه ليثبته مكانه دفع أحمد الباب ودخل الثلاثة . ليست هناك احتمالات كثيرة لهذا الموقف. إما أن يصيح سيد ليخرجوا وينبه في الوقت نفسه كل من في البيت، أو أن يطالبهم بالخروج ويتظاهر بأنه سيغلق القفل منتظرا أن يساوموه. استغربوا وقوفه صامتا ينظر إليهم. فالوقت أيضا ليس في صالحه، وقد ينفتح باب شقة عم محمود وتنتهي الحكاية. ولو كان أي واحد منهم مكانه فلن ينتظر أن يبدؤوا هم بالمساومة بل كان سيحدد ما يريد أو يطلب الدخول أولا. فكروا في أنه يحاول إظهار قوة أعصابه وعدم قلقه مثلهم، وأنه صار أكثرهم خبرة بهذه المواقف. رفع سيد يده نحو جرس باب عم محمود. ابتسم أحمد ساخرا. واندفعوا يفتشون الصناديق سريعا. انطلق صوت الجرس. زقزقة عصافير ضعيفة. لم يتوقعوا أن يفعلها. خرجوا مسرعين. وتسابقوا في صعود السلم قبل أن ينفتح الباب. دخل سيد وراح يفتش في الصناديق. كانت حركة يده سريعة تتحسب لظهور أي فأر ومهيأة لدفعه بعيدا عنها. عثر علي ميدالية مفاتيح انكسر طرف «ما شاء الله» المعلقة فيها وقصافة سليمة بهت معظم الرسم عليها. لم ير أي فئران. وابتسم وهو يتخيل خروجها كلها وراء عم محمود الذي ذهب مع زوجته لزيارة ابنته. ولمح وهو يخرج ساعة أحمد التي وقعت منه دون أن ينتبه. التقطها ووضعها في جيبه. وأغلق القفل. ضغط علي الجرس مرة أخري كأنه يطلق زقزقة العصافير تحية له. كان كل منهم يطل عليه من الدور الذي يسكن فيه. مر عليهم أثناء صعوده واستهانوا بالميدالية والقصافة، وقالوا إنهم كانوا سيعثرون علي أشياء أفضل لولاه. وطلب منه عبد الرحمن إرجاع كل أعداد تان تان حالا. صعد وراءه أحمد بسرعة وقال له هامسا «الساعة وقعت مني جوه». أبدي سيد اندهاشه محدقا في وجه أحمد كأنه واقف أمام مغارة مفتوحة، ويستطيع أن يأخذ منها ما يريد.