ربما لا يشتكي أحد من قلة إقبال الناس علي الكتب مثل الشعراء، الذين يطبعون دواوين تحمل ثمرة مشاعرهم وأفكارهم، وذروة تألقهم ومعاناتهم، ثم لا يشتريها أحد.. السر في ذلك ليس أن الناس لا تحب الشعر، وليس لأنه لا يوجد شعراء مميزون، ولكن لأن الناس - في رأيي- قد تغيرت طريقة استهلاكها للمعلومات، وصارت تعمل بطريقة "وظيفية" أكثر من أي وقت مضي. بكلمات أخري، كما أن الناس لن تقرأ كتابا يحمل الأخبار التي كتبها صحفي واحد عبر فترة من الزمن، بقدر ما تحتاج لقراءة جريدة اليوم حتي تتابع خلطة مكثفة من الأخبار التي كتبها عدد ضخم من الصحفيين لأن "الحاجة الوظيفية" هي قراءة أخبار اليوم وليس الاطلاع علي ما يكتبه صحفي معين من أخبار. الأمر نفسه بالنسبة للشعر، الناس تحتاج في ظرف معين أن تقرأ الأشعار التي تناسبه، أو يحتاجون لاسترجاع أبيات عظيمة قرأوها يوما هنا أو هناك، أو غيرها من الاحتياجات التي تتطلب أن يكون "الشعر" كله عند متناولك حتي تستطيع تحقيق تلك الاحتياجات. لذلك جاء الإنترنت كحل جميل لهذا التغيير في حياة الناس، حيث يجدون القصائد التي يريدونها عند متناول أصابعهم، تبحث عن القصيدة التي تريد أو ما يناسب حالة معينة أو يتوافق مع قضية معينة، وتجد الأبيات موثقة مرتبة لك لتقرأها وتستمع بها. بالنسبة للعالم العربي، لم تكن هناك استفادة تذكر من هذا الحل فلا تزال مواقع الشعر العربية ضعيفة جدا، وبالنسبة للشعراء، لا يمثل الأمر إلا مجرد قتل غير رحيم للمبيعات البسيطة التي تحققها دواوينهم، وبالنسبة للناس، فإن توافق الاحتياج للشعر مع التواجد أمام شاشة الكمبيوتر ليس بالسهل دائما. هناك الآن خيار آخر، يبدو أكثر عملية وأكثر مناسبة لاحتياجات الناس الوظيفية نحو الشعر، وربما يغير واقع الشعراء المالي الضعيف، وهو "تطبيقات الموبايل". تطبيقات الموبايل لها شهرتها - كما هو معلوم- مع أجهزة آيفون، ولكن شركات بلاك بيري وجوجل ونوكيا وغيرها من شركات الموبايل تحاول أيضا مجاراة هذا النجاح من أيفون، وكلها تضع حاليا تركيزا بطرق مختلفة علي تطبيقات الموبايل. في أمريكا يوجد حاليا مئات تطبيقات الموبايل الخاصة بأيفون والتي تركز علي الشعر، وهي بذلك تمكنك من إيجاد بيت الشعر الذي تريد، في الوقت الذي تريد، من خلال بحث سريع، وهذه التطبيقات (بخلاف الكتب) يمكن تحديثها دائما بالأشعار الجديدة وتطوير خصائصها باستمرار. ولأن تطبيقات الموبايل تحقق مبيعات واسعة وأرباحا كبيرة، فإن حصول الشعراء علي نسبة من هذه الأرباح، تعني أن ثمرات التكنولوجيا قد هلت عليهم أيضا، والمستفيد من ذلك كله هو الشعر ككيان ثقافي عظيم لأي أمة علي الأرض.