منذ صدور مجموعتها القصصية "شرفات قريبة"، حفرت هناء عطية لنفسها مكانة بين أبناء جيل التسعينيات، تأثر بها معظم أبناء جيلها، اتخذت من القص وسيلة للتعبير عن معاناة تتربص بها، أو تحوم حول واقعنا المليء بالوجع، تتخذ من الوحدة محرابا، تمارس فيه طقوس كتابتها، فالوحدة في نظرها هي التي تستطيع أن تنصت، وتنصت فقط دون وشاية من أحد. أصدرت عطية أربع مجموعات قصصية هي: "شرفات قريبة"، و"هي وخادمتها"، و"مطر هاديء"، و"عنف الظل"، ورواية واحدة بعنوان "تمارين الورد"، كما تكتب السيناريو، حيث قدمت سيناريو فيلم خلطة فوزية، وحاليا يجري تصوير سيناريو فيلمها الجديد "يوم للستات" . • ما العلاقة بين العنف والظل الذي اخترته عنوانا لمجموعتك القصصية الأخيرة؟ - الملاحظ أن ظل الأشياء ليس مطابقا للشيء نفسه، يظهر في أغلب الحالات ككيان مشوه، وظلال الأشياء دائما معتمة ومشوهة وغامضة. وسميت المجموعة بهذا الاسم نسبة إلي إحدي قصص المجموعة واخترتها لأن فكرة الظل تشغلني منذ فترة، وهناك إناس يعتبرون ظلا لأناس آخرين، وهناك أشياء ظلالها أشياء أخري، ولا تكون هي الشيء نفسه، وكأن الظل ضوء معتمًا يخرج من الشيء الحقيقي، ويحاول أن يتطابق معه. • المجموعة تكشف كثيرًا من المؤرقات النفسية التي يعانيها الإنسان عموما .. ما أبرزها؟ - يسيطر علي المجموعة هاجس الوجود والافتقاد والموت ولعبة الحياة والموت طوال الوقت تتجلي في كل الأشياء حولنا، واللحظة الآنية الآن هي لحظة سوف تموت بعد ثانية وكل شيء مرتبط بالحياة والموت. • هناك احتفاء بالثنائيات في المجموعة مثل "الحياة والموت"، و"الخير والشر"، و"الظلم والعدل" .. إلخ .. فهل هذه نظرة صوفية للوجود؟ - هي نظرة شبه وجودية، لأن الخير والشر والعدل، والظلم مختلف عن فكرة الحياة والموت، فكل شيء حي يحكمه الموت، ولا يوجد أحد ينظر للحياة بنفس الزاوية وهذه أزمة الإنسان بالأساس، فأنا أكتب من منطقة رمادية وسرمدية بين الواقع والخيال، ولا يوجد شيء مؤكد، والأشياء لديها أزمة من خلال نسبيتها، وأفضل ما في الحياة أنها نسبية ورمادية جدا. • كيف استطعت تطويع اللغة في بلورة العالم المتخيل في رؤية واقعية خاصة حتي يبدو الوهمي حقيقيا؟ - اللغة كائن حي أعيش في جدل معها طوال الوقت، ودائما هناك أزمة بين رغبات الإنسان، وما يريد أن يعبر عنه واللغة التي يستخدمها حتي في الحياة، ومن هنا ينشأ سوء الفهم وأزمة التواصل وغموض التواصل، فاللغة هي الهاجس الآني للإنسان، وقد استخدمت لغة مزيج ما بين الفصحي والعامية، لأنني لا أستطيع تجاهل اللغة العامية التي هي ملتصقة بنا طوال الوقت، واللغة الفصحي هي الموروثة، وأستطيع التعبير عن المعني من خلال الجدل بين الفصحي والعامية. • البحر له حضور قوي في المجموعة .. ما علاقتك بالبحر؟ - البحر يمثل مجموعة من المفاهيم التي تمثلها الحياة نفسها مثل البهجة والموت والثورة والسكون والمعاني المتناقضة الموجودة بداخل الإنسان ولذلك الإنسان له صلة قوية بالبحر، وارتبط بذكريات ليس لها علاقة بطريقة حياته اليومية، وإنما علاقتها بمدي تأثيرها فيه، ومدي ما تهز فيه. • فضاء القصص الزماني والمكاني غير محدد بدقة .. لماذا؟ - هذا صحيح ولكن البحر يمثل خلفية مكانية للقصص، كما إنني ليست لدي هواجس اجتماعية خاصة بزمن معين، ولكن يهمني زمن الشخصيات الروائي والأدبي، وأزمة الإنسان التي أقصدها ليست اجتماعية، وإنما أزمة خاصة بوجودها، كما أن عنصر المكان يمثل الحالة النفسية للعمل، وجزءًا من حالات الشخصيات وجزءًا من أزمتهم، كما أن فكرة الزمن نسبية أيضا. • "شرفات قريبة" مجموعتك الأولي التي قدمتك إلي الوسط الأدبي .. كيف تنظرين إليها الآن؟ - هذه المجموعة تعتبر من أهم الأعمال التي قدمتني للقاريء العربي، وتجربة مهمة في جيل التسعينيات، ظهرت نتيجة تراكم وبحث عن أسلوب يخصني، وأثرت في كتاب كثيرين، لأنها فتحت فضاءات في الكتابة، وإعادة القيمة لما هو خاص. • تكتبين القصة والرواية والسيناريو .. أين تجدين نفسك أكثر؟ - القصة هي عالمي الأثير وهي أصعبها حيث لا يسبقها تخطيط مسبق، وإنما تأتي في ومضة أما الرواية فجنس مختلف، حينما تأتيني الفكرة تتحول إلي قضية كبري، وأبدأ أعمل عليها بشكل عقلاني، وهي تستدعي التخطيط، لأنها تضم حسابات الزمن والإيقاع رغم أن فضاءاتها أوسع. أما السينما فقدمتني إلي جمهور أكبر وتعودت علي زمن معين ما أقوله في كتاب أختصره في ساعة ونصف الساعة. • هل أنت راضية عن المتابعة النقدية لأعمالك؟ - لا، فهناك استسهال في الكتابة النقدية ومزج الصحافة الأدبية بالنقد أساء للأدب بشكل كبير. • ما سر عزلتك عن الوسط الأدبي؟ - الوحدة هي أصدق شيء في الحياة تجادلها تصدقك، تسر لها ولا تخونك ويكفيك أن تستمع إليك بصمت وتراقك دوما دون انشغال عنك، فهي ملجأي في حزني وفرحي، وجواب سؤال نفسي لنفسي، ناهيك عن الشللية وفساد العلاقات الاجتماعية، وهذا شيء مضجر ومضحك في نفس الوقت. • ما جديدك؟ - اكتب رواية بعنوان "ألعاب للتخفي"، وفيها نوع من التماس مع حياتي الحقيقية وتكمن إشكاليتها في: كيف تكتب في وجود مسافة بينك وبين حياتك الحقيقية.