يترقب المراقبون بدء المفاوضات المباشرة من جديد بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في واشنطن برعاية أمريكية بعد توقف استمر قرابة عامين، البعض متشائم للغاية وله حق نتيجة المواقف الإسرائيلية الملتوية المعرقلة لجهود السلام، والبعض الآخر يبدي قدرا من التفاؤل لا نعرف له سببا محددا حسب المعطيات المعلنة. السلطة الفلسطينية تهدد بوقف المفاوضات التي لم تبدأ بعد إذا استأنفت إسرائيل تنفيذ خططها الاستيطانية في الأرض المحتلة، من الجانب الآخر يهدد وزير الخارجية الاسرائيلي المتطرف ليبرمان بالانسحاب من الائتلاف الحكومي إذا اقدمت الحكومة الإسرائيلية علي تمديد تجميد الاستيطان بعد يوم 26 سبتمبر المقبل. الغموض اذن هو سيد الموقف ولا نعرف يقينا ما هي التعهدات التي قدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية لكل من الطرفين حتي يقبلا استئناف المفاوضات المباشرة، لكن ما نعتقده هو ضرورة أن يكون علي المائدة تصور معين لمشكلة التصادم بين الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني، وإلا تصبح المسألة عبثية للغاية تصب نتائجها لصالح الرؤية المتشنجة التي فقدت إيمانها بجدوي التحرك السلمي مع اسرائيل. الواقع أن الأمور تبدو أحيانا علي غير حقيقتها بسبب التركيز علي جانب معين من الموضوع دون غيره من الجوانب الأساسية، مثل مسألة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، أو طبيعة المفاوضات إذا كانت مباشرة أو غير مباشرة، في حين أن الحقيقة المؤكدة هي أن القضية الفلسطينية أساسا هي قضية أرض مغتصبة بالقوة من أصحابها منذ بدأت الأزمة وحتي الآن، قضية احتلال أرض عربية وفلسطينية في حرب يونيو 1967، ولا يجب السماح أبدا بنسيان ذلك في غمرة الحملات السياسية المتداولة بغرض البحث عن حل. عند البحث عن أساليب إسرائيل للتنصل من الالتزامات الدولية نجد أنها تتركز في مناورات مستمرة لابعاد توصيل الاحتلال والتركيز علي فكرة توفير ملاذ للفلسطينيين، سواء كان دولة منزوعة السلاح والقوة، أو مجتمعًا اقتصاديا، بشروط إسرائيلية. كلما اقتربت الجهود الدولية من تضييق الخناق علي السياسة الإسرائيلية تسارع القيادة الإسرائيلية إلي خلق مسار آخر يجري التركيز عليه للهروب من الضغوط حتي تتغير الظروف الضاغطة عليها بفعل عوامل الزمن، أو تغير الأولويات الدولية، أو أخطاء يرتكبها الطرف الآخر الفلسطيني. حدث ذلك حتي الآن في موضوع تجميد المستوطنات في الضفة الغربية وفيها مدينة القدسالشرقية التي تضم المقدسات الإسلامية والمسيحية، وهي أساسا أرض محتلة ولا يجوز بأي حال تغيير طبيعتها وفق القانون الدولي، الاستيطان في هذه المناطق ربما يزيد الأمر تعقيدا ولكن علي من؟ في نهاية الأمر يتعين علي إسرائيل سحب المستوطنين من الأراضي المحتلة طالما لم يتخل أصحاب الحق عن حقهم، ولعلنا نلحظ أنه رغم مضي الوقت منذ الاحتلال الثاني للأراضي الفلسطينية لم يقبل المجتمع الدولي الاعتراف بأي شرعية للاستيطان الاسرائيلي في الأراضي المحتلة، حتي أقرب الحلفاء لإسرائيل يعتبر الاستيطان غير مشروع. تحرص جميع الدول بين الحين والآخر علي تأكيد عدم شرعية المستوطنات بما في ذالك الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وهي الدول التي أعطت الشرعية لقيام دولة إسرائيل في عام 1948، ثم وفرت الحماية لها علي مدي نصف القرن الماضي. الآن اصبحت تلك الدول غير قادرة علي تجاهل حقوق الفلسطينيين لمزيد من الوقت. إن جوهر عملية السلام هو إنهاء الاحتلال، وهدف مفاوضات السلام بين الطرفين هو الاتفاق علي آليات انهاء الاحتلاف، وإنهاء الاحتلال يعني في نهاية الأمر سحب المستوطنين.. ولو بعد مائة عام. بالطبع ليس من الممكن إجراء مفاوضات علي غير أساس واحد وهو نبذ استخدام القوة واعتماد القانون الدولي كمرجعية للطرفين وهذا هو مغزي موافقة الفلسطينيين علي اتفاقية أوسلو التي رفضها البعض في حينه ومازالوا يرفضونها حتي الآن، اعتماد القانون الدولي بدلا من استخدام القوة يعني عدم شرعية الاحتلال وعدم شرعية كل ما ترتب عليه من مظاهر مثل ضم الأراضي والاستيطان، ويتعين انهاء الاحتلال بكل مظاهره لصالح قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. كل ما نتمناه أن يكون أساس المفاوضات المباشرة في نسختها الجديدة هو احترام القانون الدولي وما يفرضه من واجبات.