كيف يمكن لرجل ذي توجهات وأفكار يسارية، قضي معظم سنوات عمره في العمل مع المؤسسات الخيرية في مكافحة الفقر أن يصبح مسئولا في حكومة يمينية دون أن يتنازل عن مبادئه؟ كان هذا هو التحدي الأكبر الذي واجه مارتن هيرش، علي مدار ثلاث سنوات قضاها متنقلا بين عدة مناصب في قلب حكومة رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون. ويروي مارتن هيرش في كتابه بعنوان «أسرار الصَنعة» مذكرات ثلاث سنوات من العمل في الحكومة بعد أن تركها في مارس الماضي ليعود للعمل العام في محاربة الفقر، حاول فيها تطوير سياسات طموحة وإيجاد حلول فعالة لمشاكل الفقراء والشباب دون أن يتحول كليا إلي «رجل سياسة». يذكر هيرش كيف دخل الحكومة عام 2007 مع بداية تشكيل حكومة فيون الأولي بأمر من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي شخصيا ليشغل منصبا لم يكن موجودا من قبل في الحكومة الفرنسية هو المفوض الأعلي للنشاطات التضامنية في مواجهة الفقر، قبل أن يصبح أيضا المفوض الأعلي للشباب عام 2009، وذلك بعد تاريخ حافل في العمل مع مؤسسات المجتمع المدني في مجالات الضمانات الصحية والقضاء علي الفقر والبطالة ومساعدة الشباب. ويحكي مارتن هيرش كيف أن هذه السنوات لم تكن وردية علي الإطلاق بالرغم من الإنجازات التي استطاع أن يحققها، فسرعان ما ظهرت التحديات والمشاكل التي واجهت طموحاته مثل كيف يمكن توفير مليار ونصف المليار يورو لتمويل نظام جديد للتضامن الاجتماعي، في حين أطلقت الحكومة اليمينية نظاما جديدا أيضا لتقليل الضرائب؟ وكيف يمكن محاربة الفقر في حين يواجه العالم كله وليست فرنسا فقط أزمة مالية لم تحدث مثيلتها منذ عام 1929؟ لكن السؤال الأهم كان دائما كيف يمكن إيجاد أفكار جديدة وخلاقة وفي الوقت نفسه قابلة للتنفيذ والقياس علي أرض الواقع؟ لكن تبقي إنجازات أقل من 1000 يوم قضاها كمسئول في الحكومة الفرنسية، شاهدا علي نجاحه في تخطي أغلب العقبات، فقد نجح هيرش في تجديد نظام التأمين الصحي وإنشاء ما أطلق عليه «الدرع الصحي»، كما انشأ نظامًا جديدًا يسمح للشباب بتلقي منح للاستقلال بحياتهم عند بلوغهم سن الرشد، وسعي لإيجاد حلول لتضخم رواتب المسئولين، كما عمل علي محاربة الغياب في المدارس بطرق جديدة، وإقناع الشركات الكبري بالدخول في شراكات مع الحكومة من أجل مكافحة الفقر وهو ما جعله يؤمن بضرورة أن تكون جزءًا من النظام حتي تستطيع أن تكون جزءًا من الحل. وفي نهاية كتابه يؤكد هيرش أنه عندما دخل الحكومة كان مصرا علي ألا يتخلي أبدا عن قناعاته ولا التزامه تجاه مجتمعه، وعندما خرج منها زاد بداخله الإيمان بضرورة المشاركة في صناعة القرارات، لكن دون ممارسة حقيقية للسياسة. وإن كان هيرش لم يسع أبدا للمنصب، وخرج من الحكومة قبل أن يناله نصيب من الفضائح المتوالية التي أصابت وزراء ومسئولي حكومة ساركوزي إلا أن بعض المحللين يري في كتابه دعاية إعلامية مستترة ولا يستبعدون أن يكون لمارتن هيرش دور في انتخابات 2012 المقبلة.