ربما بتأثير الصيام والصيف الحار والمعضلات التي لا تنتهي ووجع القلب الذي لا يتوقف، وبفعل الكهرباء المقطوعة والمياه الممنوعة عن أحياء كثيرة في مصر المحروسة سألت نفس السؤال: كم عضوا في مجلس الشعب الحالي لديه فكرة أو دراية أو معلومات عن لوحة "زهرة الخشخاش" أو مبدعها الفنان الهولندي فان جوخ؟. وقبل أن أبحث عن إجابة وجدت أسئلة أخري: كم منهم أصلاً كان يدري أن لفان جوخ لوحة في متحف محمود خليل؟ بل كم منهم يدرك أن هناك متحفاً علي النيل باسم محمود خليل؟ بل كم منهم يعرف أي شيء عن محمود خليل؟ بل كم منهم دخل متحفاً في حياته؟. لا أريد إجابات عن الأسئلة، فأنا وأنتم نعرف الإجابات. ولكن يلح سؤال آخر: كم من مرشحي الحزب الوطني في الانتخابات المقررة في السابع والعشرين من نوفمبر المقبل ممن يتسابقون ويتصارعون ويتنافسون في المجتمع الانتخابي للحزب ليفوز بعضهم بترشح الحزب لهم في الانتخابات يهتم بالفن التشكيلي بدرجة تتجاوز "المنظرة" أو "البهرجة" أو "الفشخرة"؟. وأسئلة أخري فرضت نفسها: كم منهم أصلاً يعرف معني الفن التشكيلي والمقصود به؟ ما هي درجات السادة المرشحين في الرسم في الامتحانات طوال سنوات دراستهم؟ وكم منهم يستطيع أن ينطق اسم فان جوخ صحيحاً لمرة واحدة في حياته؟ الاجابات نعرفها أيضاً. في الشوارع بدأ بعض المرشحين يمنحونا الإحساس بقرب الانتخابات عندما بادروا بعرض صورهم مع قليل من الكلام مثل: "مرشحكم"، "ابن الدايرة يهنئكم في رمضان". أو "يبشركم بقدوم عيد الفطر"، و"ينبهكم" إلي أن الانتخابات صارت علي الأبواب، و"يحذركم" من ألاعيب المرشحين "الوحشين" الذين "يلهفون" أصوات الناس ولا يقدمون لهم شيئاً. ومع أن بعض اللافتات انتشرت في أماكن متفرقة إلا أن الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية بالطبع لم تبدأ بعد، والكثافة في الدعاية التي تظهر في كل انتخابات لم يأت موعدها حتي الآن، وانتظروا معي لافتات فيها فن وإبداع يفوق ما أبدعه فان جوخ "بتاع" "الخشخاش"، وأفكار فنية علمية معملية فذة للمرشحين تظهر في لوحات الدعاية تضارع المقتنيات التي تزدهر بها متاحف العالم. لن ننسي طبعاً أن مجلسنا الموقر علي مدي دورات عدة ترشح له وتشرف بعضويته نواب لم يتهموا أبداً بسرقة "خشخاش" فان جوخ حاشا وكلا.. هم فقط اتهموا بزراعة الخشخاش الأصلي نفسه في سهول سيناء أو الاتجار في محصوله وتدمير أدمغة الشباب ونهب أموال الغلابة من البسطاء أو حتي الميسورين، أو نواب تعاطوا الخشخاش وكل المخدرات المستخرجة منه فخلعنا عليهم لقب "نواب الكيف". هؤلاء عاشوا في حرية ولم يضعهم أحد في سجن كما وضعت لوحة فان جوخ في متحف محمود خليل سجينة، رهينة، أسيرة حتي تم تحريرها بسرقتها مرتين وليست مرة واحدة!!. المغزي من الكلام هو مدي الثقافة العامة التي يتمتع بها النائب في البرلمان والتي تعكس تحضره وطريقة تعامله مع الآخرين علي كل المستويات: رؤساؤه في الحزب أو الحكومة وكذلك المواطنون الذين منحوه أصواتهم، أو حتي معارضوه الذين حجبوا عنه التأييد وكانوا يتمنون فوز مرشح آخر. هي الثقافة العامة التي تجعل النائب يعرف أن تهافته علي الظهور في برامج الفضائيات أمر مسيء له، وظهوره متلهفاً علي الجلوس أمام الكشافات والمصابيح والعدسات يجعل الانطباعات عنه وعن البرلمان لا تسر عدوا ولا حبيبا، خصوصاً عندما لا يجد ما يقوله، فيهلفط أو يفتعل الموضوع والكلام، هي الثقافة العامة التي تجعله لا يقول إلا صدقاً لأنه سيدرك أن للناس عقولا تميز بها الكذب من الصدق، والحق من الباطل والجهل من العلم. نعود إلي الأسئلة: هل كان لدينا أو سيصبح عندنا نواب يتمتعون بثقافة عامة واسعة يستطيعون التفريق بين خشخاش فان جوخ وخشخاش سيناء؟ حتي هذا السؤال لن أكتب إجابته لأنها بكل بساطة معروفة، فخشخاش فان جوخ يضر ولا ينفع بينما خشخاش سيناء "بيعمل دماغ" ويظبط الجيوب ويمكن أن يمنحك عضوية البرلمان دون أن يضر أو ينفع.