مرة أخري أكتب من مطروح لأنني في إجازة.. لست وحدي في الإجازة.. فبلدنا يسمح بالإجازة للكثيرين من مواطنيه والوافدين عليه علي حد سواء.. الحضارة الحديثة وسبلها المعروفة من الوافدين علي بلدنا فهي تأتي إلينا من بلدان العالم المتقدم.. فلنا من الوسائل الحديثة ما لهم.. وعندنا الكثير من أشكال التقدم من مخترعات إلي اكتشافات إلي أجهزة مما عندهم.. ولكن يبدو أن تلك الوسائل الحديثة عندما تأتي إلي بلدنا تأخذ إجازة! نعم تأخذ إجازة هي أيضا.. وضمن تلك الأشكال الحديثة للحضارة والتقدم أجهزة الإنذار الحساسة التي تحمي الآثار النادرة والنفائس والمقتنيات وأيضا اللوحات الثمينة.. ومن تلك اللوحات الثمينة لوحة (زهور الخشخاش) لفان جوخ.. وضمن تلك الأجهزة الحساسة أجهزة إنذار وتأمين متحف (محمود خليل) وهي في إجازة طويلة ومفتوحة!! وقد كشف النائب العام أن تلك الأجهزة عبارة (عن إجراءات شكلية ولا ترقي إلي الحد الأدني المطلوب من الحماية والتأمين لمقتنيات أثرية عالمية غاية في الأهمية).. وعبارة (إجراءات شكلية) تعني أن الحضارة عندنا مجرد شكل خارجي.. قشرة خارجية هشة لا يوجد تحتها سوي الفراغ.. تمويل ومصروفات ونفقات من أجل شكل الحضارة، بينما جوهرها في إجازة.. الحضارة توقِّع حضورا وانصرافا كل يوم ولكنها خارج حدود المتحف.. موجودة شكليا ولكنها فعليا في إجازة!! كما أشار إلي أن (متحف محمود خليل به 43 كاميرا مراقبة الكترونية لحماية المقتنيات، غير أنها جميعها معطلة عن العمل عدا 7 كاميرات فقط).. أي أن 36 كاميرا في إجازة.. كما صرح أيضا بأن هناك (أجهزة إنذار ضد السرقة بكل لوحة من اللوحات داخل المتحف إلا انها جميعا معطلة أيضا ولا تعمل).. وعبارة (معطلة)، و(لا تعمل) أي: في إجازة.. كل أجهزة الإنذار ومعظم الكاميرات في إجازة!! والأمر في حقيقته التي لا يذكرها الكثيرون في مصر هو أمر مضحك جدا جدا يكاد يقترب من المهزلة الكوميدية.. فاللوحة المسروقة تساوي 50 مليون دولار، إذا كانت هي اللوحة الحقيقية التي رسمها فان جوخ عام 1887، والتي اقتناها الراحل محمود خليل في الثلاثينيات من القرن الماضي.. ولكن اللوحة الأصلية كانت قد سرقت من المتحف ذاته في عام 1978 ولم يتم العثور عليها سوي بعد سرقتها بحوالي عامين.. فعادت اللوحة التي وجدوها إلي المتحف ولكن بعد حوالي عام تسربت أخبار حول بيع لوحة (زهور الخشخاش) بمبلغ 43 مليون دولار.. مما أثار الشكوك - علي حد قول America Online News)) - حول اللوحة الموجودة في متحف (محمود خليل) أقصد غير الموجودة به الآن.. وما إذا كانت تلك هي اللوحة الأصلية والتي بيعت هي المزيفة أم العكس!! بصراحة لقد أصابني مرض (ذهول الخشخاش).. ولابد أن أنهي (الإجازة) وأعود.. ربما إذا عدت، تنتهي إجازات أخري مثل إجازتي، وتعود الأجهزة إلي العمل، والكاميرات إلي الشغل.. وربما تعود (زهور الخشخاش) حتي ولو لم تكن الحقيقية، لتشفينا من (ذهول الخشخاش) الحقيقي الذي أصابنا جميعا..