«إن الفرق بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتخلفة، ليس في درجة التمسك بالماضي، فكلاهما حريص أشد الحرص علي ماضيه، ولكن الشعوب المتقدمة تهتدي بروح الماضي وجوهره، في حين تتمسك الشعوب المتخلفة بأشكال وقوالب محنطة، والفرق بين النظرتين بعيد يكاد يبلغ الفرق بين الحياة والموت»، بهذه الكلمات استهل حلمي نمنم نائب رئيس هيئة الكتاب ندوة (الإصلاح في فكر محمد عبده)، التي أقامتها الهيئة ضمن أنشطة ليالي رمضان الثقافية، مساء الثلاثاء الماضي. أشار الدكتور عبد الحميد مدكور، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم إلي أن محمد عبده، رجل يظلل علي العصر بجناحيه ورغم مرور أكثر من قرن علي وفاته فإن أفكاره لاتزال تصلح للحاضر وتدور حولها المناقشات والدراسات، فهو أول من اخترع علم السنن الإلهية (فلسفة التاريخ)، وركز علي جوانب النقص في القضايا التي تناولها، وكان أول من حذر من خطورة تنامي التعليم الأجنبي وتأثيره في عقائد الشباب وشخصياتهم وفصلهم عن واقعهم ومجتمعهم وتبعيتهم لثقافات أخري، وهو بالفعل ما نعانيه اليوم، كان يري أن العلم يبدأ من الخاص لكي ينتهي بالعام، ومن الحالة الفردية إلي القانون الاجتماعي، وبالغ في الإعلاء من شأن العقل الذي هو الجوهر الذي يميز الإنسان عن باقي المخلوقات، وطالب بضرورة الاجتهاد في تفسير القرآن الكريم، وعدم التوقف عند الموجود في كتب التفاسير. وتحدث الدكتور عبد العاطي محمد رئيس تحرير مجلة "الأهرام العربي" عن مفهوم الوطنية عند محمد عبده، بالمعني العصري المدني، التي تتطلب قدرا من الحرية والديمقراطية، وأشار إلي عدم تعارض الوطنية مع النزعة الدينية، وكانت المواطنة في نظره تقوم علي ثلاثة أركان الأول: بناء الشخصية المصرية، والثاني الكفاح ضد الاستعمار، والثالث: تخليص الهوية المصرية من الطابع التركي، كما نادي بالانفتاح علي الافكار الغربية دون التأثير علي اسلامنا كما اهتم ببناء الاخلاق وبالغ في التأويل لرغبته في جعل الدين جزءا من حياة الناس فقد كان مهموما بالحث عما يحقق مصالح الناس ولكن فكرة الجامعة الإسلامية لم تكن جزءا من أفكاره مثل أستاذه الافغاني، ونفي عبد العاطي أن يكون محمد عبده عميلا للإنجليز لأنه تبني النظرة الإنجليزية في التربية محاولا الاستفادة من مناهجهم للنهوض بالطبقة الوسطي ولكن كانت مراهناته خاسرة لأن ذلك يتعارض مع مصالح الإنجليز، وله كتابات ضد الإنجليز، ولقد ساند الثورة العرابية ونفي وحوكم بسببها، وفسر عبدالعاطي موقفه السلبي من الأقباط الذين كان عددهم قليلا في ذلك الوقت لمساندتهم الحروب الصليبية علي مصر. وتحدث الدكتور أحمد زكريا الشلق استاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس قائلا: لقد عاش محمد عبده عمرا قصيرا بمقياس زماننا 55 عاما، لكنه ترك تراثا تنويريا حافلا وكان واحدا من الذين دفعوا الوطن إلي ثورة 1919، حيث كان صديقا لسعد زغلول ولقد ولد محمد عبده في فترة سيطرة الاستعمار الأوروبي علي العالم العربي، ولقد عكس الوجود الاستعماري في عالمنا العربي مجموعة من المتناقضات، ومن أهم التناقض البارز بين مجتمعاتنا التقليدية التي تتسم بالجمود والانحطاط، وبين الوافد الغربي الذي أحضره معه، ولقد أدي هذا التناقض إلي بداية النهاية لمرحلة الجمود والانحطاط وبداية مرحلة جديدة يمكن تسميتها مرحلة التوتر والدخول في صراع مع هذا الوارد إلينا من الغرب، وانطلق بعض رجال الدين يدعون إلي تجديد الفكر الديني سواء علي المستوي السياسي أو المستوي العقائدي وهذا ما ظهر جليا في فكر محمد عبده الذي طالب بنبذ التقليد وضرورة التجديد وربط الدين بمشكلات الواقع السياسية والاجتماعية.