إنه حقا محظوظ ذلك المواطن في الغرب حيث يعيش ويصنع عصر الفضائيات والحاسبات بينما صديقه تعيس وبائس في العالم الثالث حيث يعيش عصراً آخر يمكن أن نطلق عليه عصر البذاءات والسفالات.. وفي الواقع فنحن لم نأخذ من حضارة الغرب سوي الجانب المادي فقط ولم نتكبد مشقة التعرف علي الجانب القيمي والأخلاقي الذي أفرز هذه الحضارة.. صحيح هناك أمور تتناقض مع القيم والأخلاقيات يأتي بها الفرد في الجزء المتحضر من هذا العالم غير أن هذا الفرد يمثل شريحة صغيرة لا تكاد تري بالعين المجردة تماما كالميكروبات التي تعيش في أبداننا وأطعمتنا ومياهنا.. أما في مجتمعاتنا فإن سلوكياتنا تكشف وتفضح البداوة وعدم التحضر الذي يعشش في بعض النفوس. لاشك أننا استطعنا أن ننقل الحضارة المادية التي أفرزتها العقول في العالم المتقدم، فأصبحنا نقود السيارات ونستقل الطائرات والقطارات في رحلاتنا وانتقالاتنا داخل أو خارج البلاد وصرنا نتمتع بمنتديات الدردشة علي الانترنت ونسهر أمام الفضائيات التي تنقل لنا كل كبيرة أو صغيرة في هذا العالم.. ورغم كل ذلك فإننا مازلنا بعيدين كل البعد عن التحضر فالتصرفات والسلوكيات التي نرصدها في شوارعنا تدل علي ذلك.. ومن سخرية القدر أن تتحول شبكة الانترنت إلي وسيلة لفضح السلوك غير السوي، لقد شاهدت فيديو كليب في موقع يوتيوب حيث تقف فتاة شابة في عرض شارع فيصل بالهرم وفي يدها عصا تلوح بها نحو شاب وتتبادل معه أقذع الشتائم والسباب، وهي شتائم قبيحة لا استطيع أن أذكرها وكل ذلك لماذا؟ لأنه حدث احتكاك بسيط بين سيارتيهما. ومن الملاحظ أن هذه السلوكيات غير الأخلاقية لا تقتصر علي الشارع فحسب بل تسربت إلي المواقع التي كنا نعتقد أنها محصنة.. لقد أرسل أحد المنتمين إلي مجتمع الجامعة خطابا كيديا إلي رئيس المصلحة يلفق فيه الاتهامات الكاذبة ضد زميل له في العمل منها أنه يبيع الامتحانات وأنه قد حدد سعراً للورقة الامتحانية مقداره ألف جنيه.. ونقول اتهامات كاذبة لأننا علي معرفة قوية بمن وجهت له هذه الاتهامات الباطلة والدليل الآخر علي الكذب أنه لم يقدم دليلا علي هذه التهمة البذيئة لا نملك سوي تساؤلات قد يجد القارئ إجابة لها أو قد لا يجد: كيف يتعامل مثل هذا الشخص مع ضميره الداخلي إذا كان عنده ضمير؟ وكيف نام مستريح البال بعد أن أرسل الخطاب؟ قد نتفهم أن يضطر الإنسان إلي الكذب لكي ينجو من عقوبة بدنية أو نفسية.. ما لا نتفهمه هو أن يقدم إنسان إلي هذه الحيلة الرخيصة لكي يزيح زميله جانبا ويتولي موقعه تماما كما يفعل بعض مواطنينا البسطاء في العربة.. الغريب أن هذه السلوكيات لا تلفت نظرنا ولا يهتم بها أحد.. ربما آن الأوان لعقد مقارنة بين ما سردناه من تصرفات لرجل شرقي جامعي يعلم أجيالا وسلوك رجل رياضي يعيش في الغرب، ففي مايو 2009م، كنت أشاهد مباراة من مباريات بطولة رولان جاروس في التنس وتصادف أن كان أحد أطرافها اللاعب السويسري الأشهر روجيه فيدرير الذي توجه لصد كرة جانبية لكنه لم يستطع اللحاق بها وحدث أن قرر حكم المباراة أن الكرة خارج الملعب وفي هذه الحالة سوف تحتسب النقطة لصالح فيدرير.. ما أصابنا بالدهشة هو أن فيدرير توجه إلي الحكم وطالبه بتصويب القرار لأن الكرة داخل الملعب وبالتالي فالنقطة من حق اللاعب الآخر.. ما يهمنا هنا هو الجانب الأخلاقي لدي اللاعب الذي كان بمقدوره أن يغض الطرف ويستمتع بالنقطة التي اغتصبها من دون وجه حق.. السر هنا يكمن في الضمير الداخلي الذي سوف يحاسبه طيلة حياته. من الواضح أن مجتمعاتنا باتت تعاني من اختفاء هذا الضمير الداخلي من بعض النفوس التي أصبحت خربة وباتت لا تدرك الفرق بين الصواب والخطأ والخير والشر.