كانت لحظات حزن حقيقية لجمهور غفير من الناس في السعودية لما كانوا ينظرون لأجهزتهم بصمت بانتظار إغلاق خدمة البلاك بيري يوم الجمعة الماضي. انتشرت الكثير من عبارات الإحباط والغضب والحزن، والتي ربما كانت الأولي من نوعها لأكثر من 700 ألف شخص سيفقدون الجهاز الذي أدمنوا عليه إلي الأبد. لم تتوقف الخدمة، وكان بعض الناس يفحصون أجهزتهم كل دقائق، وكأنها حالة انتظار وفاة لمريض في آخر الرمق، وما زال الأمر مثيرًا للحيرة مع صدور قرار نهائي بهذا الشأن. لكن القصة بكل ما فيها من طرائف ومشاعر تمثل دليلاً مهماً علي مدي تغلغل التكنولوجيا في حياة الناس واعتمادهم عليها، وكيف تغير التكنولوجيا الطريقة التي نعيش بها خلال فترة قصيرة، وفي حالة البلاك بيري شمل هذا تكوين الأصدقاء والاتصال بهم، واستهلاك الإيميل، فضلا عن كل تطبيقات الأعمال التي يعرفها الموظفون وصارت حياتهم أسهل بكثير بسبب إمكانيات بلاك بيري. هذا ما أسميه في كثير من كتاباتي السابقة ب"الاعتمادية علي التكنولوجيا" في محاولتي لترجمة مصطلح "Technology Dependency" والذي يقوم علي مبدأ أن انتشار التكنولوجيا وتغلبها علي أساليب الحياة الأخري يأتي لأن التكنولوجيا تخلق نوعا من الاعتمادية في تفاصيل حياتنا اليومية (تصل إلي حد الإدمان في كثير من الأحيان)، وهي تنتصر كل مرة بسبب ذلك. عندما يسألني البعض هل ستنقرض الصحف والمجلات أمام الإنترنت، أجيب دائما يفترض أن لا يحصل ذلك لأن الصحف والمجلات لها ميزاتها التي لا يملكها الإنترنت، ولكن الاعتمادية علي التكنولوجيا وتجذرها في سيكولوجية الإنسان تجعلني أتخيل عالما يحب فيه الناس الصحافة الورقية (باعتبارها مثالا لكل أساليب الحياة الكلاسيكية)، ولكنهم لا يستطيعون استهلاكها بسبب إدمانهم علي الإنترنت والموبايل والآيباد وغيره. الطريف في البلاك بيري أنه بقدر ما كان هناك غاضبون (وخاصة بين الشباب وبين من يعتمد عليه في عمله) فقد كان هناك سعداء، والذين رأوا أن هذه التكنولوجيا والإدمان عليها أثرت سلبيا علي حياة الأزواج والأبناء والبنات، وغيرت من حياتهم الاجتماعية بشكل مزعج لهم، وهم سعداء بأن هذا الدخيل التقني سيذهب إلي الأبد. هناك أقسام جامعات حول العالم تدرس "الآثار الاجتماعية للتكنولوجيا" (Society & Technology) وهذا لأن العالم يعرف الآن علم اليقين أن حياتنا والتكنولوجيا يتقاطعان بشكل من المستحيل فصله عن بعضهما علي الإطلاق..!