تعيش البشرية منذ قرون طويلة عملية تزوير كبري أكبر من السماء والأرض وأكبر من وجودنا نحن البشر، ليس تزويرا في أوراقها الرسمية، ولا نقودها، ولا أعمارها، ولا أوطانها، إنما تعيش عملية تزوير في ربها وإلهها. نعم فقد قام حفنة من رجال الدين الذين نصبوا أنفسهم أوصياء علي الله وعلي دينه بعملية تزوير كبري، حين قدموا لإتباع جميع الديانات صورة لله مزيفة ومزورة، صورة رسموها هم وفق مصالحهم وأهوائهم، وأخفوا صورة الله الحقيقة التي جاءت بها الكتب السماوية. فالله الذي نعرفه الآن وتربينا ونشأنا عليه، ليس هو الله الحقيقي الذي أخفي عن جميع الخلق كنهه وذاته وشخصه، وسمح لنا فقط بشيء من علمه. لقد عشنا في خداع ديني وخداع عقيدي نحن وآباؤنا بعد أن جف نبع الأنبياء وبعد تركنا لقلة من رجال الدين استولوا علي الله ووضعوا أيديهم عليه واحتكروه لأنفسهم، ثم حاصروه، وكمموا فمه، وقيدوه، ووضعوه في جب مظلم، حتي لا نراه إلا بأعينهم هم، ولا نسمعه إلا بآذانهم هم، ولا نلمسه إلا بأيديهم هم، ولا يكلمنا إلا بألسنتهم هم. لقد فرضوا الوصاية عليه وعلي دينه ثم أجبرونا علي الإيمان به كما يرونه هم، وجعلوا من أنفسهم الوكلاء الوحيدين والممثلين له ولدينه علي الأرض، وحتي تكتمل عملية التزوير الكبري وتختمر في عقول الأتباع، قالوا لهم إنكم جميعا أيها الناس أعداء لله. وجاهلون به، ومخطئون في حقه، ومقصرون في عبوديتكم له، ولن تنالوا محبته إلا إذا فعلتم ما نطلبه نحن منكم، وردتم وراءنا ما نقوله لكم، ولن تؤمنوا به إلا بما علمناه لكم، فصدقناهم جبرا وقسرا وخوفا، صدقناهم غفلة وجهلا وحسن ظن منا بهم، ورضينا ذلك لأنفسنا واكتفينا به، ولم نحاول ولو لمرة أن نبحث عن الله الحقيقي دون واسطة ودون معبر نعبر عليه إليه، ولم نحاول أن نبحث عنه بين سطور الكتب المقدسة، لكننا آثرنا السكينة والسلامة والاستسلام. لقد عشنا أزمنة وما زلنا نعيش مع الله ونتعامل معه علي أننا الآخر بالنسبة إليه ونحن أعداؤه فقد علمنا الأوصياء علي الأديان أن من لم يعتنق أفكارهم، ومن ليس في ملتهم، أو من خرج منها، ولم يحذ حذوهم، ولم يتبع منهجهم، أو من ناقشهم أو انتقدهم أو راجعهم فهو الآخر، بل هو العدو فاحذروه وأبغضوه وحاربوه واضطهدوه واقتلوه ومثلوا بجثته ما استطعتم إلي ذلك سبيلا. لقد عشنا أزمنة نتعامل مع الله كأنه بشري مثلنا، يشعر بالوحدة والقلة، ويشعر بالعزلة إذا ما انصرف الناس عنه وتركوه، ويشعر بالقوة والسرور والبهجة إذا ما انضم الناس إليه. فالله كما علمنا الأوصياء علي الدين يتأثر بما نتأثر به نحن البشر من نفع وضر وضعف وحزن وفرح وكثرة وقلة، فتعالي الله عن ذلك علوا كبيرًا. إن صورة الله البشرية التي رسمها لنا الأوصياء علي دينه، وصورة الآخر أو صورة أعداء الله التي اخترعها الأوصياء علي الدين، جعلتنا نحن البشر نشعر بالغيرة علي الله والخوف عليه والحمية له والغضب من أجله والفزع لنصرته، وأصبحنا جميعا بعضنا آخر لبعض وبعضنا عدو لبعض، حتي إن كنا من أهل ملة واحدة، فالسني آخر وعدو للشيعي، والشيعي آخر وعدو للسني، والإخواني آخر للسلفي، والسلفي آخر للإخواني، والأرثوذكسي آخر للكاثوليكي، والكاثوليكي آخر للأرثوذكسي، والمسيحي آخر للمسلم، والمسلم آخر للمسيحي، واليهودي آخر للمسلم، والمسلم آخر لليهودي، والمسيحي آخر لليهودي، واليهودي آخر للمسيحي، والجميع آخر للجميع، والكل عدو للكل، والكل يدافع عن الله، والكل يغار علي الله، والكل يحزن له ويغضب له ويفزع لنصرته، حتي صرنا نري الله عدوًا لله، ونري الله آخر لله، ونري الله متربصًا بالله، ونري الله في حرب مع الله، حرب أشعل نارها الأوصياء علي الدين واكتوينا بها نحن البسطاء من الناس التابعين للأوصياء علي الله، الأوصياء الذين علمونا أن نكره باسم الله ونقتل باسم الله، ونحقد باسم الله، وندمر باسم الله، ونشعل الفتن باسم الله، الأوصياء الذين علمونا أن نكره من ليس معنا، أو من ليس منا، ولا نثق بمن ليس في ملتنا، علمونا ألا نجالسهم، ولا نسلم عليهم، ولا نأكل معهم، ولا نقرأ كتابهم، علمنا الأوصياء علي الله أن يأخذ بعضنا حذره من بعض، وأن يغيظ بعضنا بعضا، ويستفز بعضنا بعضا، علمونا أن نعلق الصليب علي صدورنا ونرسمه علي أيدينا علمونا أن نطلق اللحي ونلتزم بزي بعينه علمونا أن نبني المساجد والكنائس دون حاجة إليها علمونا أن نعلق اللافتات الدينية الإسلامية والمسيحية علي المحلات والشركات والمؤسسات والدكاكين والشوارع حتي يغيظ بعضنا بعضا ويقهر بعضنا بعضا. فنري هل يكون الله فرحا وسعيدا وبعضه يمزق بعضه وبعضه يثأر من بعضه! للحديث بقية