من المؤكد أن المسلمين الأوائل كانوا يهتمون بالقيم الأخلاقية والإنسانية حين يقومون بالدعوة للإسلام وهذا يفسر سر اعتناق أجناس مختلفة للإسلام في أسيا وأوروبا وأفريقيا، أما مسلمو هذا العصر الذي يلجأ فيه بعضهم لأساليب منفرة وعنيفة تخلق انطباعا سيئا وتساهم في تكوين صورة غير حقيقية عن إسلام السلام والتسامح فإنهم لا يلتفتون إلي جوهر الإسلام بل يولون اهتماما خاصا للمظاهر الشكلية كالدعوة إلي إطلاق اللحية وارتداء الجلباب القصير أو ارتداء النقاب. لعل هذا يوضح أسباب انتشار الإسلام الشكلي في مجتمعاتنا في الوقت الذي توارت فيه القيم الأخلاقية والتسامح الإنساني ليحل محلها العنف والبلطجة والإرهاب، لقد جاءت النتائج عكسية فيما يتعلق بالنظرة إلي الإسلام حيث تتنامي الدول التي تناهض الحجاب والنقاب في العالم بما في ذلك الدول الإسلامية. لا شك أن الأصوات التي تحذر من التواجد الإسلامي في المجتمعات الغربية تتزايد يوما بعد يوم. فالكاتبة الهولندية من أصل صومالي هيرشي علي تري أن القيم الإسلامية لا تتفق مع القيم الغربية وأوضحت أن البرقع أو النقاب يدل علي اضطهاد المرأة، كما يدل علي وجود مجتمع متواز في مواجهة المجتمع القومي. ويشير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، توني بلير، إلي أن تمسك المجتمعات الإسلامية بالمظاهر الدينية في الغرب يعد بمثابة دليل علي النزعة الانفصالية حيث ترفض هذه المجتمعات الاندماج في المجتمعات القومية في أوروبا، أما الآراء الأكثر تشددا فقد نادت بتوسيع نطاق الحظر بحيث يشمل المدارس الإسلامية والمساجد الجديدة والهجرة من الدول غير الأوروبية. ومن الواضح أن هذه الأصوات والآراء باتت مؤثرة ومسموعة في الغرب. لقد قررت عدة دول أوروبية حظر ارتداء الملابس التي ترمز إلي الدين في المدارس والجامعات والمباني الحكومية. ففي فرنسا ظهر قانون يحظر ارتداء ملابس توحي بالهوية الدينية في المدارس الحكومية، وفي عام 2003م أيد الرئيس الفرنسي جاك شيراك صدور قانون جديد يمنع ارتداء أي علامة تشير إلي الهوية الدينية. وفي 22 يونيو 2009م صرح الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي أن البرقع أو النقاب غير مرحب به في فرنسا حيث لا يمكن أن يقبل أن تحبس المرأة خلف ستار وفي حالة عزلة عن المجتمع، وتشير التقارير الفرنسية إلي أن المرأة لا ينبغي أن ترتدي ملابس تخفي شخصيتها في الأماكن العامة. وفي بلجيكا أصدرت عدة بلديات قوانين تحظر ارتداء ملابس تخفي الوجه. لقد تم فرض غرامة قدرها 75 يورو علي سيدة مغربية بحجة ارتداء البرقع، وفي ابريل الماضي أقر مجلس النواب البلجيكي اقتراحا يحظر النقاب في جميع أنحاء البلاد. أما في هولندا فقرر مسئولو مدينتي أمستردام وبريخت قطع معونة البطالة عن النساء اللائي يرتدين البرقع علي اعتبار أن البرقع يتسبب في عدم حصولهن علي فرصة عمل. الغريب أن قرارات ووسائل حظر الرداء الاسلامي لم تنحصر علي الدول الغربية فحسب بل تبنتها دول عربية وإسلامية حيث تعتبر تونس وتركيا من أبرز الدول الإسلامية التي تحظر ارتداء الحجاب. ففي عام 1981م قررت الحكومة التونسية حظر ارتداء الحجاب وغطاء الرأس في المدارس والمباني الحكومية علي أن يتم إنهاء خدمة النساء اللاتي يرفضن الالتزام بهذه القرارات. وفي عام 2006 قررت الحكومة مواصلة تصديها للحجاب في الأماكن العامة حيث يتم إيقاف النساء في الشارع لمطالبتهن برفع الغطاء. أما في تركيا التي وضع مصطفي كمال أتاتورك دعائم علمانيتها في عام 1923م فإن الحجاب بات محظورا في المدارس والجامعات. لقد فشلت الحكومة الإسلامية الحالية في استصدار قوانين في 2008م تسمح للمرأة بارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية. وخلاصة القول: إن القائمين علي الدعوة الإسلامية في حاجة إلي بذل جهد أكبر لإبراز صورة صحيحة للإسلام، صورة نحذف منها كل ألوان التطرف والمغالاة.