من الخطأ أن نصف الصحف الخاصة بأنها صحف مستقلة كما يحلو لأصحابها والصحفيين العاملين فيها وصفها، اللهم إلا إذا كان المقصود بالاستقلال هنا هو الاستقلال عن الحكومة أو عن الدولة.. فلا يوجد في العالم كله، وليس في مصر وحدها، صحف مستقلة أو إعلام مستقل.. هناك صحف خاصة مملوكة لبشر وليس لملائكة، وهؤلاء البشر لهم احيانا توجهاتهم ومواقفهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولهم دائمًا هدفهم وهو تحقيق الربح. هذا ما أقوله في كل محفل أشارك فيه.. بالحديث حول الإعلام والصحافة ودورهما في المجتمع.. أقول إن الصحف والفضائيات تعبر عادة عمن يملكها وعن مصالحه ورؤاه ومواقفه المختلفة.. ومصر ليست استثناءً في العالم كله.. ومهما ادعي البعض عكس ذلك لأنه تروقه كلمة المستقلة أو وصفه بالاستقلال، فإن أي مطبوعة أو فضائية خاصة لا يمكن أن تنتهج طريقًا مغايرًا أو مخالفًا أو متناقضًا مع مصالح ورؤي أصحابها، حتي لو أفسحت مكانًا لديها لبعض الآراء المغايرة اظهارا لأنها تؤمن بالرأي والرأي الآخر كما تقول.. وكلنا رأينا الصحافة الخاصة والإعلام الخاص في أمريكا كيف تصرف للتمهيد والتحضير للغزو الأمريكي للعراق، ثم للتهليل والترويج لهذا الغزو بأنه يهدف لإنقاذ العراقيين من ديكتاتورية صدام حسين وصنع ديمقراطية لهم.. فهل كان هذا الإعلام مستقلاً وقتها؟! أعرف بالطبع أن كلامي هذا لا يروق لمن اعتادوا أن يتباهوا بأنهم مستقلون أو يعايرون غيرهم بأنهم غير مستقلين وحكوميين.. ولكنها الحقيقة التي اعتدت علي قولها دائمًا حتي لو ضايق ذلك البعض أو أغضبهم. ربما يحاول بعض الصحفيين والإعلاميين الذين يديرون أو يعملون في الصحف والفضائيات الخاصة أن يمارسوا قدرًا من الاستقلال النسبي، مثلما حاول ومازال يحاول ذلك صحفيون غيرهم في الصحف القومية والتليفزيون الرسمي، إلا أن ذلك لا يجعلنا نصف الصحف والفضائيات الخاصة بأنها مستقلة.. وهذا ما اعترف به في شجاعة يحسد عليها صاحب فضائية المحور في إحدي الندوات التي عقدت مؤخرًا. ولم ينل هذا الاعتراف من احترامنا له، بل علي العكس زاد احترامنا له لأنه لا يناور أو يزيف أو يخفي الحقيقة، وهذا يجعلنا نثق فيه. وعندما قال أحد أصحاب صحيفة خاصة: نحن نحاول أن نكون مستقلين مثلما نحاول أن نكون شرفاء، ولم أتردد في أن أقول له: هناك فرق بين الاستقلال والشرف ولا يجب الخلط أو الربط بينهما.. فأحيانا يكون الإنسان الشريف منحازا وليس مستقلا.. منحاز للمسروق ضد السارق وللمظلوم ضد الظالم وللمقتول ضد القاتل.. الشرف هنا يقتضي الانحياز، أما الاستقلال هنا فهو مناقض تماما للشرف، مما يعني أن الزهو بالاستقلال ليس في كل الأحوال صائبًا أو موقفًا سليمًا. إنني لا أجد عيبا في أن نصف الصحف والفضائيات الجديدة بالوصف الصحيح وهو أنها خاصة.. أما إذا كان أصحابها والعاملون فيها يرون تمييزها بأنها مستقلة عن الحكومة، فإنهم يستطيعون أن يصفوها بأنها غير حكومية، ولا ضير من وصفها حتي بأنها معارضة للحكومة.. أما وصف المستقلة بشكل عام وعلي إطلاقه فإنه وصف خاطئ مثل كثير من الأخطاء الشائعة التي تعودنا عليها. وكون هذه الصحف والفضائيات الخاصة غير مستقلة لا يقلل من قيمتها وقدرات وكفاءة العاملين فيها.. فالمهنية ليست مرادفًا للاستقلال.. والمنحاز الجيد هو المهني الجيد لأنه يستطيع إيصال رؤاه وأفكاره للمتلقي والتأثير فيه لا التنفير منه.. والمهم لما ولمن تنحاز. وعندما نقول إنه لا يصح أن نصف هذه الصحف والفضائيات الخاصة بالمستقلة كما يحلو لأصحابها والعاملين فيها، فإننا لا نقول إن أصحابها يتدخلون في كل كبيرة وصغيرة أو يفرضون وصايتهم علي كل ما ينشر أو يذاع فيها.. ولكن ذلك لا يعني أن هذه الصحف أو الفضائيات يمكن أن تمضي في طريق مناقض لأفكار ورؤي والأهم مصالح أصحابها هؤلاء.. وهذا يجعلنا نقول إن كل صحافة أو إعلام في العالم كله وليس في مصر وحدها يعبر عن أصحابه خاصة مصالحهم، ونحن في مصر ليس استثناء.