كلمة «مستقل» دخلت حياتنا منذ بضع سنوات.. في البدء أطلقت علي المرشحين للانتخابات البرلمانية من غير المنضمين للأحزاب.. ثم طاب لأعضاء سابقين في مجلس إدارة نادي القضاة وصف أنفسهم بها.. ثم انتزعت الصحف الخاصة هذه الصفة لنفسها.. وأخيراً استعارها ضياء رشوان لوصف نفسه في انتخابات نقيب الصحفيين الأخيرة. وهذا الوصف في حد ذاته غير دقيق وغير علمي، لأنه لا يوجد إنسان علي وجه الأرض غير منحاز، ولعل المصري القديم بخبرته الحياتية الطويلة الممتدة قد اقتنع بذلك عندما وصف البشر بالمثل الشعبي المعروف «صوابعك ليست مثل بعضها».. كل منا له رؤيته ومواقفه الخاصة حتي المنضوون تحت راية تيار أو حزب سياسي واحد يختلفون.. لذلك لا يصح أن نسمي الصحف الخاصة مستقلة لأنها تعبر عن رؤية ومواقف أصحابها أولاً ثم القائمين علي إدارتها ثانياً.. ولعلنا نتذكر أن من لا يرشحهم مثلاً الحزب الوطني كانوا يخوضون الانتخابات تحت وصف مستقلين. وحينما يشهر أحد وصف مستقل في وجه خصمه أو منافسه فإنه بذلك يتهمه متعمداً بأنه هو وحده المنحاز، رغم أننا جميعا منحازون.. وكلنا لنا اختياراتنا المختلفة والمتنوعة.. المهم هل هذه الاختيارات عن قناعة أم عن نفاق ومسعي لتحقيق مآرب ومصالح خاصة؟ وأظن - وليس كل الظن إثم - أن ضياء رشوان بالشعار الذي رفعه «التغيير» انحاز لشريحة أو قطاع من الصحفيين، أما مكرم محمد أحمد فقد انحاز ببرنامجه لكل الصحفيين الذين تضمهم النقابة، وهذا يتضح من عدة مواقف حاصرت ضياء خلال المعركة الانتخابية سواء بفعله هو أو بفعل مؤيديه ومناصريه القريبين منه الذين وقف بعضهم مسانداً له خلال جولة الانتخابات الأولي. لقد استخدام ضياء في دعايته الانتخابية ورقة الصعايدة باعتباره ينتمي إلي الصعيد محاولاً كسب أصوات الصحفيين الصعايدة أعضاء النقابة.. وبذلك بدا ضياء أنه منحاز لفئة محددة من الصحفيين وضد الفئة الأخري التي لا تنتمي للصعيد. كما قدم ضياء نفسه علي أنه مرشح الشباب من أجل التغيير وبذلك انحاز- سواء دون أن يدري أو عن عمد - ضد من هم متوسطو وكبار السن، وكأن هناك صراع أجيال في نقابة الصحفيين.. مثل هذا الشعار قد يصلح في كسب معركة سياسية أو حزبية ولكنه لا يصلح في نقابة مهنية، حتي إن كانت مهنة أعضائها ذات صلة وثيقة بالسياسة.. فالنقابات انشئت في الأساس لخدمة كل أعضائها بلا تمييز في الجنس أو الدين أو الانتماء السياسي أو العمر. غير أن الذي يدحض أكثر صفة المستقل عن ضياء رشوان هو التأييد الذي حظي به من تيارات وجماعات سياسية، ربما كان أبرزه التأييد الكبير الذي حظي به من جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها العام، الذي أصدر تعميماً لأعضاء الجماعة من الصحفيين بالتصويت لصالح ضياء، وهو ما لم يحدث من قبل علناً في أي انتخابات بنقابة الصحفيين. ربما يقول ضياء إنه ليس مسئولاً عن ذلك.. وربما يقول أيضاً إنه في الانتخابات ما تكسب به يجب أن تلعب به، خاصة أنه سبق له أن خاض معركة انتخابية لم يوفق فيها.. ولكن مهما قيل فإن ذلك نزع عن ضياء صفة المستقل، وبدا لشريحة من الصحفيين أنه منحاز سياسياً، والأخطر أنه مضطر إذا ما كان قد قدر له الفوز بمنصب النقيب أن يسدد الفواتير لمن أسهموا في فوزه. المهم أن ذلك كله يجعلنا نقول ونحن مطمئنون إن وشاح الاستقلال في انتخابات الصحفيين كان زائفاً. ونستكمل بعد غد إن كان في العمر بقية.