كتب - ماساهيرو مانسوامورا أستاذ العلاقات الدولية ذ أوساكا إذا بحثنا في العالم كله فقد لا نجد أي رياضة أخري يتابعها الناس بهذا القدر من الحس الديني كما يتابع الناس في اليابان مصارعة السومو (المصارعة اليابانية). فقبل كل مباراة يبدأ الحكام (الذين يقفون أزواجاً مثل كهنة الشنتو) بتطهير عشب البحر، والملح، والساكي (خمر يابانية مصنوعة من الأرز). ويغسل المصارعون وجوههم وأفواههم وتحت آباطهم قبل الدخول إلي الحلبة، التي لا يجوز أن يطأ رمالها الرجال الذين ينتعلون الأحذية ، أو النساء. وقبل أن تبدأ المباراة يرفع المتصارعان أيديهما لكي يظهر كل منهما أنه لا يخفي أسلحة بين طيات حزامه الأشبه بالمئزر. ولا ينظر شيوخ رابطة السومو اليابانية المصارعون المتقاعدون الذين يحكمون الرياضة إلي أنفسهم باعتبارهم إداريين بقدر ما يعتبرون أنفسهم أوصياء علي تقليد مقدس. وهم يصدرون قراراتهم بترقية المصارعين إلي أعلي المراتب ليس فقط استناداً إلي جدارتهم كمصارعين وحشيين، بل وطبقاً لمدي ما يتمتعون به من كرامة. ولكن هذه الكرامة بدأت تتلاشي. فقد ظهرت مزاعم حول التلاعب بنتائج المباريات، وتدخين المخدرات، والعربدة الجنسية، والاتصال برجال العصابات بين نجوم هذه الرياضة، ولقد أثار كل هذا غضب الرأي العام الياباني. والواقع أن دوائر السومو اليابانية تواجه الآن خزياً عاماً متنامياً. وبدعم من الجمهور الغاضب قامت إدارة شرطة العاصمة طوكيو مؤخراً بتفتيش ثلاثين موقعاً، بما في ذلك الغارة التي شنتها قوات الشرطة علي مركز رئيسي للتدريب علي ممارسة رياضة السومو. ولقد جاء هذا التحرك في إطار الجهود الرامية إلي جمع أدلة مادية حول العلاقة بين مصارعة السومو والياكوزا (جماعات إجرامية منظمة علي غرار المافيا) التي يرجع تاريخها إلي القرن السابع عشر. ولا تزال التحقيقات مستمرة، ولكن إدارة شرطة العاصمة لم تُحِل أي شخص إلي النيابة العامة حتي الآن. بيد أن التغطية الإعلامية المكثفة المتواصلة للتحقيقات توحي بأن إدارة شرطة العاصمة قدمت أو ربما سربت بعض المعلومات عن التحقيقات الجارية إلي الصحفيين، وهي وسيلة روتينية لكسب تأييد الرأي العام، ولكنها مثيرة للشكوك. لقد تطورت رياضة السومو علي مدي قرون عديدة من الزمان باعتبارها شكلاً متنقلاً من أشكال الترفيه العام، حيث يعتمد المصارعون والمدربون والمروجون علي عصابات محلية في تأمين المنشآت والجمهور، بما في ذلك بيع التذاكر. ومن المفترض أن هذه العلاقة الحميمة انحلت مع تحديث دائرة السومو التقليدية، التي تحولت اليوم إلي رابطة السومو اليابانية. ولكن قسماً كبيراً من عائدات رابطة السومو اليابانية، إن لم يكن أغلبها، لا يزال يأتي من مبيعات التذاكر، علي الرغم من الرسوم الضخمة التي يدفعها التليفزيون الياباني العام في مقابل حقوق البث. إن رياضة السومو، باعتبارها نوعاً من الاستعراض التقليدي، ليس من الممكن أن تستمر في البقاء من دون الاستعانة برعاة محترمين. ولكن أكثر الناس ثراءً في اليابان، مثل رجال الأعمال والأطباء البارزين والمحامين، أصبحوا اليوم أقل استعداداً لتمويل هذه الرياضة أو أقل قدرة علي الاستمرار في رعايتها، خاصة منذ انهيار فقاعة الأصول في اليابان في أوائل تسعينيات القرن العشرين. لكن بدلاً من هؤلاء الرعاة المحترمين بدأت في الظهور تدريجياً علي مر السنين طبقة جديدة غامضة من اليابانيين الأثرياء الذين صعدوا من خلال ممارسة أنشطة مثل الإقراض بفوائد فاحشة (المراباة) وغير ذلك من الأنشطة المشبوهة. ونتيجة لهذا أصبحت بعض مراكز السومو مرتبطة بشكل أو آخر بالأشخاص الذين يديرون شركات وهمية لصالح عصابات الجريمة المنظمة. والواقع أن إحكام جماعات الياكوزا لقبضتها علي دائرة السومو يشكل أهمية كبيرة، وذلك لأن أسلوب حياتها أصبح باليا. ففي خمسينيات القرن العشرين كان الوزراء اليابانيون ورجال الصناعة يعتمدون علي عناصر قومية بين جماعات الياكوزا في قمع النقابات العمالية والاشتراكيين. ثم عمدت العصابات آنذاك إلي دعم الفضائل التقليدية اليابانية المتمثلة في الرجولة والمروءة والولاء كان رجل العصابات يكفر عن أخطائه بقطع أحد أصابع يديه. بيد أن تعثر الاقتصاد الياباني أدي إلي تآكل العائدات من الأنشطة التقليدية التي كانت تتطلب العضلات، مثل المقامرة والدعارة والإقراض بفوائد فاحشة. علي سبيل المثال، لم يعد "سلب الأراضي" إرغام ملاك الأراضي علي بيع أراضيهم ثم بيعها بسرعة في مقابل أرباح هائلة مربحاً كما كان من قبل، وذلك لأن أسعار الأراضي ظلت ثابتة لأعوام. وفي محاولة للتعويض، انخرطت جماعات الياكوزا في أنشطة مثل الاحتيال المالي، والتلاعب بالأوراق المالية في البورصة، والجرائم الإلكترونية، الأمر الذي أدي إلي ظهور جيل جديد من المهووسين بالكمبيوتر بين رجال العصابات، وهو الجيل الذي أصبح أكثر اهتماماً بالأعمال التجارية والابتزاز.