من يتصفح صفحات الحوادث في جرائدنا هذه الأيام، ومن يقرأ تفاصيل معظم الجرائم والمآسي، يجد أن وراءها عاملاً واحدًا يكاد يكون قاسمًا مشتركًا بينها.. وأن هذا العمل يمكن اعتباره بمثابة «المفتاح الرئيسي» لكل الشرور الإنسانية.. وهذا المفتاح هو «الغضب».. فالغضب هو «ثوران في النفس يحملها علي الرغبة في البطش والانتقام»، وهو حالة نفسية انفعالية تصيب الإنسان وتجعله غير قادر علي التفكير، وغير قادر علي اتخاذ القرار السليم... ولهذا، فعندما جاء رجل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم طالبًا النصيحة، وطالبًا الخير في الدنيا والآخرة، قال له الرسول الكريم «لا تغضب»، فعاد الرجل مرة أخري إلي الرسول طالبًا المزيد وقال له «أوصني»، فقال الرسول: «لا تغضب»، فأعاد الرجل مرة ثالثة طلب النصيحة، وأعاد الرسول الوصية «لا تغضب».. وبهذه الكلمة الموجزة يشير النبي صلي الله عليه وسلم إلي خطر هذا الخلق الذميم، فالغضب جماع الشر، ومصدر كل بلية، فكم مُزّقت به من صلات، وقُطعت به من أرحام، وأُشعلت به نار العداوات، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم. ولهذا كان النبي صلي الله عليه وسلم يكثر من دعاء: «اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا»، فإن الغضب إذا اعتري العبد، فإنه قد يمنعه من قول الحق أو قبوله، وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين، فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: «أول الغضب جنون، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب»، ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما: «مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب، فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم»، وأثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه: «يا بني، لا يثبت العقل عند الغضب، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضبًا أعقلهم»، وقال آخر: «ما تكلمت في غضبي قط، بما أندم عليه إذا رضيت». وقد مر رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوم فيهم رجل يرفع حجرًا يقال له حجر الأشداء وهم يعجبون به، فقال صلي الله عليه وسلم: ما هذا؟ قالوا: رجل يرفع حجرًا يقال له حجر الأشداء. فقال «ألا أخبركم بما هو أشد منه، رجل سبه رجل فحلم عنه، فغلب نفسه، وغلب شيطانه وغلب صاحبه».. وعنه صلي الله عليه وسلم أنه قال «ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد من يمسك نفسه عند الغضب».