بداية ليست لها علاقة بالنهاية.. بدأ مزارعًا وانتهي رجل أعمال.. وبدأ في حفر الترع وانتهي بمشروعات ضخمة وبدأ ب100 ألف جنيه ووصل ل30 مليار جنيه، بدأ من الصعيد ووصل ل26 دولة. فمن علي كرسه الفخيم يجلس أنسي ساويرس ليدير مشروعاته التي تتحرك في 22 دولة باستثمارات تقدر بمليارات، وعندما تسأله عن حجم ثروته يقول لك لا أعلم ويؤكد لك أنه لا يهتم بالأرباح بل اهتمامه كله ينصب علي الخسائر. أنسي يؤكد أنه لم يستمع لنصحية والده المحامي الذي قال له يومًا «أوعي تستلف يا أنسي» حيث يري أنسي أن القروض تساعد علي «الشغل». بدأ أنسي ساويرس حياته العملية في صعيد مصر حيث أسس شركة للمقاولات عرفت في البداية باسم «لمعي وساويرس» وكانت هذه الشركة هي «تميمة الحظ» التي فتحت عليه أبواب عالم البيزنس حيث انفرد أنسي عام 1950 بالشركة واتسع نشاطها بشكل غير مسبوقة حتي جاءت قوانين يوليو الاشتراكية عام 1961 ليتعرض أنسي لأول ضربة قوية في حياته بتأميم شركته تأميمًا جزئيا ثم يتلقي أنسي الضربة القاضية عندما يتم تأميم الشركة بشكل كلي في العام التالي حيث تم تعيينه مديرًا للشركة لكن الثورة لم تترك له قرشًا واحدًا من ثروته ويصف ابنه نجيب الموقف لنا ويقول «لقد أخذوا كل شيء ولم يتركوا لنا شيئًا وأصبحت شركتنا علي البلاط ويضيف كنا نلبس ثيابًا جميلة ونأكل جيدًا وعندما فقد والدي أعماله لم يؤثر ذلك علي حياتنا لكنها كانت خبرة سيئة وقاسية فهو استيقظ ذات نهار وذهب إلي عمله فوجد شركاته ومكاتبه محاطة بالشرطة وثروته أصبحت ملكًا للدولة وعلي الرغم من صغر سني فإن هذا الحدث علمني مواجهة الصعاب وعلمني أن أتمسك بكوني صعيديا صعب المراس. واضطر أنسي عام 1966 للمغادرة لليبيا وهناك احترف بيزنس التوكيلات والمقاولات ونجح في ظل النظام الملكي واستمر يمارس نشاطه هناك حتي عام 1975 ومع بداية الانفتاح الاقتصادي وافتتاح الأسواق المصرية عاد أنسي من «منفاه الاختياري» واستثمر خبرته الواسعة في مجال المقاولات وأقام شركة «أوراسكوم للمقاولات» التي استطاعت أن تعمل في الظل وتحصل علي بعض المقاولات الصغيرة من «فم الأسد» شركة عثمان أحمد عثمان ورغم كل الصعوبات التي مر بها أنسي فإنه كان حريصًا علي مشروعه الكبير الذي كان يعرف جيدًا أنه من الصعب علي ثورة أن تؤممه أو تخطفه من بين يديه في يوم وليلة، وكان هذا المشروع هو أولاده الثلاثة «سميح وناصف ونجيب» الذين كانوا بالنسبة له رصيده الذي يملكه ويقول نجيب «لقد كان من أعظم قرارات والدي المبكرة أنه وضع استثمارات هائلة لتعليمنا وتزويدنا بأفضل مستويات الخبرة، حيث كان يري أن أولاده هم رأسماله الحقيقي». وكان أجرأ قرار اتخذه أنسي ساويرس بعد التأميم مباشرة هو إرسال أبنائه الثلاثة للتعلم بالخارج حيث أرسل نجيب لسويسرا للالتحاق بمعهد بولي تكنيك بجامعة زيورخ وهو معهد معروف بتخريج القادة وكبار رجال الإدارة العليا بأوروبا، كما أوفد سميح لجامعة برلين وناصف إلي جامعة شيكاغو ويقول نجيب: إن أباه أراد أن يجمع بين الدقة السويسرية والماكينة الألمانية وصناعة البيزنس علي الطريقة الأمريكية. وبالفعل عاد الفرسان الثلاثة لمصر ويقول نجيب إنني وجدت أن مؤسسة أوراسكوم للمقاولات أصغر من أحلامي فقررت أن أجرب حظي في نشاط آخر في التوكيلات والآلات واتجهت بعد ذلك إلي السكك الحديدية، وبالتالي توسعت الشركة الأم حتي عاد الابن الثاني سميح من ألمانيا واستثمر في إنشاء مدينة بالغردقة وعاد الابن الثالث نصيف من شيكاغو عام 1982 وقرر أن يبدأ بطريقته من حيث بدأ والده فدخل عالم المقاولات. الغريب في الأمر أن شركة أوراسكوم التي اخترقت كل مجالات الاستثمار والاقتصاد لا تعرف الأسلوب الذي تدار به الشركات العالمية فلا تستعين الشركة بالمستشارين إنما تدار بأسلوب «إدارة العائلة» الذي يعود إلي ترابط عائلة أنسي ساويرس حيث يحرص أفراد العائلة علي الاجتماع علي الغداء 3 مرات أسبوعيًا لمناقشة كل شيء كالسياسات العامة والمشروعات ويقول نجيب نحن لا نعمل بمفردنا في كل المشروعات بل نعمل بأسلوب المجموعات. ويقول نجيب «تعلمت من والدي كل شيء وأي نجاح حققته أنا مدين له شخصيًا به، أما أهم قيمة نقلتها منه فهي عدم السكوت عن الحق والاهتمام بالقرش مثل الجنيه، بالإضافة لأخلاقياته وعطفه وصداقاته مع الناس وعناده في الحق «أبي محارب» لأنه لا يستسلم أبدًا في أي حال من الأحوال ولا يدع أي هدف يضعه من دون تحقيقه إنه مثلي متمرد يعطي كل ذي حق حقه لكني أكثر مخاطرة منه فهو حذر جدًا.