يصعب أن نغرق في بحث التفاصيل والمبرّرات التي خلقت هذا الجيشان من التوتّر والكراهية بل والعداء داخل ساحة العدالة المصريّة في الأيّام القليلة الماضية. وكلّ كاتب وصحفي وإعلامي لايفزع لما حدث، إنّما تكون كلمات حقوق الإنسان والمساواة أمام القانون،محض كلمات علي اللسان لامعني لها ولاقيمة !علينا أن نبحث داخل الأحداث كيف يمكن أن يتحوّل خلاف داخل البيت أو الشارع أو في مجال من المجالات إلي عواصف. يسهم نقد أخلاقيّات مجتمع يموج بالتحوّلات الاقتصاديّة والسياسيّة والدينيّة في الوصول إلي رؤيّة والكثيرون متّهمون بإفساد العقول واحتقان المشاعر.. والحريّة مجرّد كلمة لاطريقة حياة ! ولا يبدو أنَّ هناك بوادر حقيقيَّة تلوح في الأفق لاحتواء الأزمة التي اندلعت بين طرفي العدالة، بل ازداد تصاعد التوتّر بين المحامين والقضاة في مصر علي خلفيَّة الحكم الذي أصدرته محكمة جنح طنطا أخيرًا بحبس محاميَّين حكم عليهما بالسجن 5 سنوات وغرامة 300 جنيه لكل منهما بسبب التعدي علي مدير نيابة طنطا ثان. وتضخّمت «فاعليَّات غضب» نظَّمها المحامون في عموم البلاد، واقترن الاحتجاج بالامتناع عن حضور الجلسات ومحاصرة القضاة والمحاكم، وتعطّل الفصل في قضايا المواطنين ،واقترن الدفاع عن كرامة المحاميين،بإهدار حقوق ملايين المصريين الذين يتوجّعون أصلا من بطء العدالة. ودفع الثمن في النهاية، المواطن والعدالة ، بحسب الدكتور شوقي السيّد استاذ القانون، مطالبًا بضرورة إنهاء الازمة وديًّا و دعوة الاطراف إلي الاجتماع وحلّها لمصلحة العدالة والمواطن. وكلّما سألت محاميا من الذين أعرفهم أو التقي به، اعتبر ان الأزمة حدثت نتيجة تراكمات كثيرة تركت لتدفع العلاقة بين الطرفين إلي التوتّر والاحتقان ، المحامون من ناحيّة والنيابة والقضاء من الناحية الأخري. وقال المحامي الأستاذ فوزي حمزة الذي يناهز الثمانين من عمره ولايزال يترافع أمام المحاكم ويقدّم المذكّرات حتّي يومنا هذا ،إنّ زملاء المدرّج في كلّيّة الحقوق قد فرّقتهم المناصب، وحكي أنّه كاد يحدث معه ما حدث مع المحاميين اللذين تفجّرت الأزمة بسببهما. ذات يوم دخل إلي مكتب النيابة ،وجلس علي مقعد خال فنظر إليه وكيل النيابة نظرة ذات معني تعني أنّ عليه أن يطلب الإذن بالجلوس ! لكنّ التجربة والمعرفة والودّ وضبط النفس،كلّ هذا دفع بالحالة نحو السلام . ضحك رجل النيابة والمحامي العجوز يقول له،اسمح لي بمبرّرات كثيرة فأنا أقضي حتّي الآن أكثر من نصف قرن في ساحات المحاكم ، كبرت واكتسبت الخبرة وقلّ إبصاري وأنهكت وأعتقد أنّه لايمكنني أن أفكّر بطلب الإذن للجلوس أمام أحد أبنائي ! لقد تركت أمور كثيرة لم يهتمّ أحد من أطراف العدالة بشرحها وتفسيرها، من مثل اسراع حرس النيابة بحمل حقيبة وكيل النيابة وفتح باب مكتبه ومساعدته في خلع الجاكت وتعليقه ! ناهيك عن فترة الانتظار الطويلة حتّي يسمح وكيل النائب العام ببدء التعامل .. وأسيئ الظنّ وقيل إنّهم يدردشون في الموبايل ! والكراهية عمياء حين تندلع،وإذ هي لاتجوز أصلا بين شقّي العدالة،فقد نسي الطرفان أو تناسيا الطريقة التي عولجت بها الفتنة بعيدا عن الأصول القانونية والقضائية، وحفاظا علي مكانة القضاء وقدسيته واستقلاله وتثبيت الثقة العامة فيه. وحقّ للدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب أن يرفض التدخّل، فساحة القضاء هي التي نتعلّم فيها أنّ الخلاف في الرأي لايفسد الودّ. والنيابة والدفاع يتعاركان ويشتبكان كلّ يوم في قاعة المحكمة ولكن بحثا عن الحقيقة ، بحثا عن حقّ المجتمع والمتّهم.وإذ أصبحت مصر كلّها الآن ساحة للسجال بين الدفاع والنيابة فإنّها تنتظر الحكم العادل، وقد حددت نيابة استئناف طنطا موعدا لاستئناف هذا الحكم، علي المحاميين الموسوم من قبل البعض بالتسرّع والتربّص المنزّهة عنهما العدالة. فهل يستأنف المواطنون المصريّون لدي نفس الجلسة، الشلل الذي أصاب دوائر المحاكم في عدد من محافظات الجمهورية نتيجة إضراب المحامين وخروجهم في تظاهرات؟ واقتحام العشرات من المحامين مجمع محاكم المحلة بالغربية، واحتجاز المحامي العام لنيابات طنطا ورئيس النيابة الكلية في مكتبيهما، وتجمع المئات داخل المحاكم والتهديد بمنع وكلاء النيابة من الدخول الي مكاتبهم !