انكشف عجز حكومة نتانياهو عن اتباع سياسة مقبولة دوليا ازاء النزاع القائم في المنطقة حول حقوق الفلسطينيين المغتصبة منذ عدة عقود، اليمين المتطرف في إسرائيل يعيش خارج الزمن، يحاول تجاهل المتغيرات التي حدثت في العالم من حوله ، يظن أن حلفاء الأمس يستطيعون الي ما لا نهاية مساندة إسرائيل في تجاهلها الدعوة المفتوحة للسلام العادل وانهاء تلك الأزمة التي لم يعد في وسع أحد أن يحتملها. من كان يتصور أن يتعرض تحالف استراتيجي قوي مثل الذي كان بين تركيا وبين إسرائيل الي مواجهة كادت أن تصل الي تصادم مروع وسط أصوات تركية بتأديب إسرائيل عسكريا؟ كانت أنقرة تسعي للحصول علي موافقة الولاياتالمتحدة لشراء نظام صواريخ « آرو» الباليستية الذي تنتجه إسرائيل، فالأسلحة والجيش الإسرائيلي عنصران أساسيان في خطط التحديث التركية، حدثت إسرائيل المقاتلات التركية وتفاوضت لتحديث الدبابات الأمريكية الصنع التي تمتلكها تركيا، وكثيرا ما قامت المقاتلات الإسرائيلية بطلعات تدريبية في الأجواء التركية ، كما أجري البلدان تدريبات بحرية وجوية مشتركة ، بعد كل ذلك، من كان يتخيل أن تتهم الحكومة التركية إسرائيل بممارسة القرصنة وارهاب الدولة، متخطية المصالح العسكرية والاقتصادية المشتركة بينهما؟. رفضت إسرائيل حتي الآن الاعتراف بأهمية حل الدولتين الذي اقترحته الولاياتالمتحدة ووافق عليه الجانب العربي والفلسطيني ، رفضت إسرائيل وقف الاستيطان حتي لا يفهم أحد من ذلك أنها تنوي الانسحاب من الأراضي المحتلة ، رفضت إسرائيل تقديم مقترحات ايجابية للسلطة الوطنية الفلسطينية تعيد زمام الأمور الي يدها ، وتدعم توجهها الي استخلاص الحل عن طريق المفاوضات . تريد إسرائيل أن تبقي غزة منفصلة عن الضفة ، وترغب في أن يظل القطاع المحاصر شوكة في جانب مصر الملتزمة بالاتفاقيات الدولية، وتريد أن تبقي حركة حماس متهمة بممارسة الارهاب الدولي ، تريد أن يظل حل الدولتين والرباعية الدولية لعبة في يدها ، وأن يتواري حق الفلسطينيين مع مرور الوقت . مضي الزمن الذي كانت إسرائيل تكسب فيه علي طول الخط. بدأت تخسر حلفاءها ليس بشكل كلي ولكن علي الأقل لن تحظي بالتأييد الأعمي الذي كان. أسطول الحرية، الذي ضربته إسرائيل وهو في طريقه الي غزة المحاصرة لن يكون الأخير، ربما تكون المقاومة الفلسطينية تبينت طريقها أخيرا بتبني عمليات نوعية لا تندرج تحت بند الكفاح المسلح ولكنها أكثر تأثيرا وأشد وطأة علي إسرائيل من اطلاق النار. إسرائيل فشلت في وصف ناشطي السلام بأنهم ارهابيون، سخر منها العالم ولم يصدقها أحد، انكشاف أكاذيب إسرائيل مسألة مهمة للغاية لانهاء اسطورة الدولة الصغيرة الديمقراطية التي تعيش وسط محيط من الأعداء. في تعليقات صدرت عن البيت الأبيض حول أزمة سفن أسطول الحرية وتداعياتها ، دعت الولاياتالمتحدة جميع الاطراف إلي ضبط النفس وتجنب المواجهة، قال مايك هامر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي انهم يعملون بشكل عاجل مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية وشركاء دوليين آخرين لوضع إجراءات جديدة تسمح بتسليم المزيد من البضائع والمساعدات إلي غزة ، وأضاف ان الترتيبات الحالية لا يمكن أن تستمر ، ويجب تغييرها. هنا نسأل عن المقصود بتسليم المزيد من البضائع لسكان قطاع غزة ، وهل يعني ذلك أن يظل القطاع محاصرا مع ايجاد آلية فعالة لتوصيل مساعدات مباشرة؟ الواقع أن ما يحتاجه قطاع غزة هو نفس ما يحتاجه الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس، هم ليسوا في حاجة الي استمرار معاملتهم كلاجئين يحتاجون الي معونات انسانية ، انهم يحتاجون الي حل سياسي لمشكلة احتلال إسرائيل لأراضيهم واغتصابها لحقوقهم. أعتقد أن الهدف من القوافل التي تريد الذهاب الي غزة ليس توصيل الطعام أو الأسمنت الي القطاع، ولكنه رسالة للعالم أجمع أنه لم يعد مقبولا استمرار الوضع الحالي، يعني رفض منطق إسرائيل المصمم علي حرمان الفلسطينيين من اقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة الي جانب دولة إسرائيل في حدود 4 يونيو 1967 . أعتقد أن ما حدث هو في الواقع نجاح للمقاومة، ودعم للمفاوض الفلسطيني .