لفت انتباهي وأنا في الطريق لحضور منتدي الشرطة وحقوق الإنسان بمديرية أمن المنيا أن وزارة الداخلية بدأت تدريس منهج حقوق الإنسان في كلية الشرطة عام 1996 بينما لم تكن الحرب علي الإرهاب قد وضعت أوزارها بعد، تزامنت هذه الخطوة مع بدء مراجعات أعضاء الجماعة الإسلامية في السجون، مما يعني انتهاج سياسة أمنية جديدة تحاصر الإرهاب وتجفف منابعه، وترعي مراجعات فكرية للعناصر التائبة، في نفس الوقت الذي بدأت فيه الاهتمام بحقوق الإنسان. وفي تصوري أن هذه الخطوة التي مضي عليها 14 عاما وتبعها خطوات أخري تحتاج إلي الكثير من الدعم سواء من داخل الشرطة أو من خارجها، فمعروف مثلا انه حين يتهدد الأمن القومي لأي دولة، فإنها تسارع إلي تطبيق إجراءات استثنائية او تشريع قوانين جديدة تنتقص من الحريات الشخصية والمدنية، كما حدث في أمريكا عقب الحادي عشر من سبتمبر 2001 حين صدر قانون "باتريوت أكت" الذي شرع مراقبة المشتبه بهم والتنصت عليهم دون إذن من القضاء. لكن الانتباه إلي حقوق انسان في ظل الأوضاع الاستثنائية أمر يحسب لوزارة الداخلية، ولوزيرها حبيب العادلي الذي تولي مهام منصبه عقب حادث إرهابي كبير وخطير حين هاجمت عناصر من الجماعة الإسلامية معبد حتشبسوت بالدير البحري بالأقصر وقتلت 61 شخصا من بينهم 58 سائحا، لكنه انتهج سياسة متوازنة قامت علي فتح الباب للمراجعات، في ذات الوقت الذي استمرت فيه قوي الأمن علي استعدادها لمقابلة أي طارئ. وإذا كانت وزارة الداخلية قد شرعت في تطوير السجون، وأقسام الشرطة، فإن القضية الأهم التي تحتاج إلي التزام أكبر هي حقوق المشتبه فيهم خلال عمليات التحري والاستدلال والضبط والاستجواب، ومن حسن الحظ أن العلم والتكنولوجيا الحديثة قد وفرا الكثير من التقنيات الحديثة لكشف الجناة، ولم يعد جمع المشتبه فيهم والتحقيق معهم هو الوسيلة الوحيدة والناجحة لفك طلاسم أي جريمة. وأعتقد أن مثل هذه الدورات التي تنظمها وزارة الداخلية لضباطها وجنودها حول حقوق الإنسان في غاية الأهمية، لكننا نحتاج في الوقت نفسه من المجتمع المدني أن ينهض بمسئولياته في تعريف المواطنين بحقوقهم الأساسية، فمثلا ما هي حقوق المواطن في قسم الشرطة، وأثناء التحقيقات، وداخل النيابة العامة، وفي مرحلة التقاضي.. حقوق لا يعرف المواطنون عنها الكثير، وعلي المجتمع المدني تولي هذه المهمة، حتي تكتمل دائرة حقوق الإنسان في مصر. وأعتقد أن الضلع الثالث في هذه المهمة هو الإعلام، فوسائط الإعلام بمختلف أنواعها وألوانها لا تعني فقط برصد انتهاكات حقوق الإنسان، وإنما بالمشاركة في نشر هذه الثقافة، وفي تسليط الضوء علي كل المحاولات الجادة المبذولة في هذا الصدد.. أنا شخصيا شاهد علي هذه التجربة التي عشتها في محافظة المنيا حيث رأيت روحا جديدة وضباطا يتسمون بالكفاءة والرغبة في احترام القانون والسهر علي تنفيذه.. وعلينا الشد علي أياديهم وتشجيعهم.. لأن هذا واجب الصحافة ايضا.