غدا سأكون علي موعدي الثاني مع ضباط الشرطة في مديرية أمن المنيا في حوار حول الأمن والإعلام وثقافة حقوق الإنسان، وقد كتبت في هذا المكان قبل ثلاثة أسابيع عن تجربتي الأولي مع ضباط مديرية أمن بني سويف والتي كانت بحق فرصة لحوار ثري لتبديد الشكوك بين طرفين يفترض أنهما يعملان في إطار هدف واحد هو البحث عن الحقيقة. وإذا كانت تجربة بني سويف بالنسبة لي فريدة لأنها الأولي فإن المنيا لها وضع خاص لدي، فلم أزر هذه المدينة منذ سنوات عديدة، حين كنت أتابع ظاهرة الإرهاب الذي ضرب مصر في منتصف التسعينيات، وكثيرا ما هبطت علي المنيا، التي كانت حبلي بالأحداث، ومنها خرج قادة الجماعة الإسلامية الذين ذهبوا إلي جامعة أسيوط وأسسوا تلك الجماعة في الثمانينيات. وعانت المنيا وكل محافظات الصعيد من حرب طاحنة علي الإرهاب، ولقي أكثر من ثلاثمائة شرطي مصرعهم، ومثلهم من المواطنين في المواجهة المجتمعية الشاملة مع الإرهاب الذي لم يكن موجها ضد الحكم أو الشرطة فقط، وإنما ضد كل أركان الدولة، واقتصادها أي القوت اليومي للمواطنين. والمنيا مدينة جميلة للغاية، ولم يخطئ من سماها «عروس الصعيد»، فهي بالفعل عروس مصر كلها، ولها كورنيش جميل وممتد علي نهر النيل، كان أعضاء الجماعة الإسلامية يخترقونه، ويمنعون الناس من التنزه عليه، فأحالوا حياة المواطنين إلي جحيم. لكن الوضع تغير تماما، أفاقت المنيا والصعيد من شبح الإرهاب وبدأت تلحق بقطار التنمية، وحين يتراجع الإرهاب وتقل حدته لا بد من الحديث عن حقوق الإنسان، وهذا ما بدأته وزارة الداخلية منذ سنوات عبر مناهج دراسية لطلاب كلية الشرطة، وعبر المحاضرات واللقاءات الثقافية المتتالية. ورغم ذلك لا يمكن لأحد القول إن حقوق الإنسان قد وصلت في مصر إلي درجة الكمال، بل إننا لا نزال نسعي لتطبيقها، وتعريف الناس بها، وتحويلها إلي ثقافة عامة يؤمن الناس بها ويطبقونها دون غضاضة.. ومثل هذه المحاضرات واللقاءات المفتوحة مع ضباط الشرطة، طريق مهم لترسيخ ثقافة حقوق الإنسان لدي العاملين بالجهاز الأمني. وفي النهاية كلنا شركاء في هذا الوطن، وما يحدث من تقدم في مجال أو مكان، ينعكس علي مجالات وأماكن أخري.. وفي المنيا سنواصل الحوار والاكتشاف.. لكن الأهم أنني في شوق بالغ لرؤية ماذا حدث في عروس الصعيد.. التي لها مكانة غالية في قلبي.. مثل كل صعيد مصر الذي تأتينا منه الحياة والخير..