قبل أيام تلقيت اتصالاً هاتفيا من أحد ضباط الإدارة العامة للإعلام والعلاقات بوزارة الداخلية، لدعوتي لحضور لقاء مع ضباط وجنود الشرطة في محافظة بني سويف، في إطار سلسلة ممتدة منذ سنوات تهتم بنشر ثقافة حقوق الإنسان بين رجال الأمن، ورغم أنني رحبت بهذه الدعوة علي الفور، لكن بعض الهواجس ظلت داخلي ولم تفارقني إلي حين. صحيح أن العلاقة بين الإعلام والأمن يفترض أن تكون موجودة وقائمة وفاعلة، في العديد من القضايا، فإن الصحيح أيضا أن مثل هذه العلاقة لا تزال تخيم عليها أجواء من الظنون والشكوك، خاصة بين جيلي الذي بدأ العمل الصحفي، في زمن مغاير، وفي صحافة مختلفة، وليس خافياً أنني بدأت مهنة الصحافة من خلال جريدة الشعب لسان حزب العمل، ولم تكن العلاقة بين الصحيفة والأمن علي ما يرام في كثير من الأحيان. وأعترف أن ميراث الشكوك كان لا يزال مسيطرا علي جانب كبير من تفكيري، إلي جانب أسئلة أخري ظلت تبحث عن إجابات فأنا لست محررًا أمنيا ولا توجد لي علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الأجهزة الأمنية، كما أنه يمكن توصيف كتاباتي اليومية في روز اليوسف بأنها ليبرالية تنحاز للحرية القصوي وترفض القيود حتي ولو كانت قانونية. صحيح أنني لا أساوم علي الأمن القومي للوطن، وأعرف الحدود الفاصلة بين الحرية الإعلامية، والحفاظ علي المصالح العليا للوطن، لكن كتاباتي في الإجمال لا يمكن اعتبارها في صف الحكومة، وحتي إن انحازت لها في بعض القرارات والإجراءات فإن هذا الانحياز يكون مبنيا علي الخلفية الليبرالية، وعدم الانحياز أو التحزب. أعترف ايضا أنني كاتبًا في الشأن العام وبشكل يومي، أتعرض كثيرا لموضوعات متعلقة بحقوق الإنسان، لم أتوقف ولو للحظة لمتابعة ما تقوم به وزارة الداخلية من جهود لنشر ثقافة حقوق الإنسان بين رجالها، رغم أنها تجربة مهمة تستحق الانتباه والتأمل والتحليل وقياس نتائجها علي الأرض. ولعل هذه الدعوة جعلتني أعيد قراءة هذا الملف، وأتوقف عند عدد من الحقائق، منها أن وزارة الداخلية تدرس منهج حقوق الإنسان في أكاديمية الشرطة منذ عام 1996 ومنها أيضا أن وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي أصدر منذ عام 2001 عدة قرارات وزارية لتشكيل هيئة عليا لحقوق الإنسان بالوزارة، وقسم لحقوق الإنسان بمصلحة السجون، وإدارة لحقوق الإنسان بالإدارة العامة للشئون القانونية. وشرعت وزارة الداخلية منذ عام 2000 بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي في تنظيم دورات تدريبية لنشر ثقافة حقوق الإنسان بين مختلف رجال الشرطة.. إلي آخر الإجراءات التنفيذية والعملية في هذا السياق. راجعت كل هذه الإجراءات وأنا أستعد للقاء ضباط وجنود الشرطة في بني سويف.. دون أن تفارقني الظنون، والهواجس، لعل في اللقاء ما يبددها، لأنه في التجربة العملية خير برهان، ومنها ستظهر الحقيقة.