منذ عام 1970 إلي الآن بلغ عدد حوادث الطائرات التي توفي كل من كان عليها عدا شخص واحد، 15 رحلة طيران.. وكان آخرهم طفل العشر سنوات الهولندي الذي نجا وحده دون أسرته وبقية الركاب وأفراد الطاقم من كارثة تحطم الطائرة الليبية قبيل الهبوط في مطار طرابلس هذا الشهر.. ولم يكن الطفل الهولندي أول طفل ينجو وحيدا من كارثة طيران بل لقد بلغ عدد الأطفال الذين حققوا هذا الأمر ستة أطفال من ال 15.. لقد نجا رضيع عمره عام ونصف العام في 1997 وكان الناجي الوحيد ضمن 60 راكبا علي متن الطائرة الفيتنامية.. وفي 2003 كان محمد عبد الفتاح (3 سنوات) هو الناجي الوحيد من 106 ركاب علي متن الطائرة السودانية. وإذا أخذنا في الاعتبار أن أربعة من ال 15 ناجيا وحيدا كانوا من أفراد الطاقم ذ الذين يتلقون تدريبات للنجاة من مثل تلك الحوادث ذ لأصبحت نسبة الناجين من الأطفال أكثر من 50 بالمائة ممن لا تتعدي أعمارهم الثالثة عشر عاما!! أضف إلي ذلك اثنين أقل من ثمانية عشر عاما.. أي أن 75% من الناجين الوحيدين من الأطفال والشباب الصغار.. والسؤال الذي يتردد كثيرا ولم يجد له المهتمون إجابة قاطعة هو: لماذا يكون الناجي الوحيد في حوادث الطيران من الأطفال أو من الشباب؟ يعتقد البعض أنها مسألة قدرية، وقد يكون هذا صحيحا.. ولكن هل هناك احتمال أن يكون للخوف علاقة بالأمر؟ من المعروف أن هناك من يموت خوفا قبل أن تتسبب الكارثة أو الاصطدام في موته.. كما أنه من المؤكد أن الأطفال أقل خوفا لأنهم أقل إدراكا.. فالطفل الصغير لا يخاف الظلام طالما أنه لا يدرك الفرق بين المجهول والمعلوم.. ولكنه بعد فترة قصيرة من النمو يبدأ في إدراك المجهول فيخاف من الظلام.. ويعتقد بعض الآباء والأمهات خطأ أن الطفل يعاني من اضطرابات نفسية لأنه لم يكن يخاف من قبل. والخوف بأشكاله المتعددة لا يعتبر مرضيا إلا إذا زاد عن الحد المطلوب، ولكنه من المشاعر المطلوبة للحفاظ علي سلامة وأمن الإنسان.. فالخوف من النار طبيعي، ولكنه إذا زاد علي حدود الأمن تحول إلي (فوبيا) مرضية.. وهكذا الخوف من الأماكن المرتفعة، وعبور الشارع، وأيضا الخوف من الموت.. وهو شعور طبيعي يتنامي مع الإنسان كلما يكبر في عمره ويجد السنين تمر به فتصير السنوات التي وراءه أكثر من التي يتوقع أن تأتيه.. ولكن الأطفال الذين لا يدركون ماهية الموت ولا يتساءلون كثيرا عنها، والشباب الصغير الذي لا يأبه كثيرا لفكرة الموت لبعدها الزمني المفترض عنه، هؤلاء وأولئك لا يخافون الموت. هل يعتبر انعدام الخوف أحد أسباب نجاة الأطفال في مثل تلك الحوادث؟ وهل يمكن للخوف الذي يمنع الإنسان أن يرمي بنفسه في التهلكة ويحميه من الموت، أن يتحول إلي سبب للموت؟ وهل يحمي عدم الخوف من الموت صاحبه من أن يلقي مصير الخائفين؟ وهل الخوف إذًا سبب في الحفاظ علي الحياة أم سبب في لقاء الموت؟ إنها مسألة في غاية التعقيد ولكنها تدعو للدراسة وللتأمل.