ما يحدث علي ساحة القارة السمراء من صراع دولي وخاصة دول حوض النيل يستوجب عولمة المواجهة فمن الاستخفاف بالعقول مقارنة الدور المصري في أفريقيا في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بدور مصر الآن نظراً لمتغيرات عدة شهدتها المعادلة الدولية ففي الماضي كان الصراع اقتصاديا يرتدي زي احتلال عسكري والآن اقتصادي بحت قائم علي المنافع المتبادلة. فاللاعبون الجدد مرحب بهم من قبل حكومات تلك الدول ولا عداء لشعوب دول حوض النيل معهم ومن المستفز لتلك الدول تصويرها علي أنها مفعول بها وليست فاعلة أو أنها أدوات تحركها إسرائيل وغيرها من القوي، لذلك فأولي خطوات المواجهة تستوجب تحييد العامل الثابت وهو دول حوض النيل بأن نحقق لها نفس ما تحققه لها الدول المتصارعة من مكاسب بحيث يكون انحيازها لمصالحنا لا يقابله خسائر لها.. فيما ترجح كفتنا عوامل أخري مثل الدين واللغة وتاريخ النضال المشترك والقرب الجغرافي وغيرها من العوامل. وفي اعتقادي يجب أن تبني استراتيجية المواجهة علي ثلاثة محاور الأول ترشيد الاستهلاك المائي والاستثمار الأمثل للموارد والثاني عولمة المواجهة بإنشاء الوكالة العربية للاستثمار والتنمية في أفريقيا مع خلق تحالفات قائمة علي المصالح المتبادلة مع القوي المتصارعة علي الساحة الأفريقية، والثالث الردع القانوني من خلال اللجوء للتحكيم الدولي والتحرك الدبلوماسي حال ما شهدت حصة مصر تهديدا حقيقيا وليس الردع العسكري كما يطالب البعض. المحور الأول ترشيد الاستهلاك يأتي من خلال شن حملة قومية عبر وسائل الإعلام والاتصال ومن خلال المناهج التعليمية والمؤسسات الدينية لغرس ثقافة الحفاظ علي المياه مع العمل علي الاستعانة بالصنبور الذي يعمل بالأشعة فوق البنفسجية واللجوء إلي سياسات جديدة في الري الزراعي «الري بالتنقيط» والتخلي تدريجياً عن الري بالغمر، وهذا المشروع يتطلب دعماً حكوميا لتجهيز الحقول بالأنظمة الحديثة علي أن يسدد الفلاح بالتقسيط ومطلوب إنشاء مجار للسيول تصب في خزانات مع تكثيف أبحاث تحلية مياه البحر وإنشاء مشاريع غرس الأشجار المثمرة علي المجاري المائية لتقليل نسبة البخر وإعادة تدوير المياه الناجمة عن الاستخدامات الصحيحة وما يصرف من عمليات الري بالغمر. وفيما يتعلق بمحور عولمة المواجهة يمكن إنشاء تحالفات مع الدول العربية، لإنشاء شركات متعددة الجنسيات، للاستثمار في أفريقيا عبر صندوق أو وكالة للاستثمار، مع تبصير دول مثل السعودية بأهمية ذلك بالنسبة لها علي جانب الأمن الغذائي والأيديولوجي، لمحاربة المد الشيعي الإيراني، كما أن تقليم أظافر إسرائيل في أفريقيا يصب بشكل مباشر وغير مباشر في تحجيم مشروعها الاستيطاني في فلسطين وغيرها فنموها الاقتصادي يدعمها في المواجهة مع العرب وما يتحقق أيضًا من نفع لسوريا والأردن اللتين تعانيان فقرًا مائيا. وفي ذات المحور مطلوب تفكيك عناصر الصراع واتباع سياسة المكاسب المتبادلة ونظرية المساومة فدولة مثل الصين التي تمول السدود علي ضفاف نهر النيل علينا مواجهتها بفرض عقوبات علي منتجاتها التي غزت السوق المصرية من السيارة إلي سجادة الصلاة حتي غشاء البكارة فعلينا تهديد مكاسبها ما لم تراع مصالحنا مع تنشيط السياسة الناعمة من خلال الإرساليات الدينية والخدمات الطبية والتعليمية . ثم يأتي محور الردع القانوني باللجوء للتحكيم الدولي إذا تطلب الأمر ذلك، ولدينا من الاتفاقيات المرتبطة بتقسيم الحدود السياسية لدول أفريقيا ما يكفل حماية حقوقنا التاريخية، لكن الحرب لا يجب التلويح بها نهائيا فخسائرها أكبر خاصة أنه لا وجه للمقارنة بين ضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي ودعوات البعض لضرب السدود لأسباب عدة أبسطها قياس المدي الزمني الذي تستطيع خلاله تلك الدول إعادة البناء وهو قليل مقارنة بالمفاعل خاصة أن تكنولوجيا البناء والتمويل يملكها الكثير وتقدم لدول حوض النيل في شكل تبرعات، فلن نجني من سياسة الردع العسكري سوي الكراهية وتوسيع دائرة الصراع لدخول حروب مع خصوم سيعملون بالوكالة، فاليوم نعيش عولمة الصراع مما يتطلب عولمة المواجهة، وتحصين القرار السياسي لعزله عن جميع المؤثرات الداخلية بقدر الإمكان لينبع من معطيات الواقع وليس الحماسة والشعارات الجوفاء.