بالأمس كتبت عن قاسم أمين المفكر والفيلسوف والقاضي والأديب والمبادر الجريء وقبل كل هذا: الإنسان.. واليوم أكمل تحليل أفكاره أو بعض منها من خلال إعادة النظر في كلماته وأقواله المأثورة والتي تتنوع في مجالاتها وتعكس الفكر الإنساني لصاحبها. يقول قاسم أمين عن المرأة التي تجلب السعادة لمن حولها: (كلما أردت أن أتخيل السعادة تمثلت أمامي في صورة امرأة حائزة لجمال امرأة وعقل رجل).. وقد يعترض البعض علي تعبير (عقل رجل) باعتبار أن في هذا تقليلا من عقل المرأة وامكاناتها الفكرية، ولكنني أعتقد أن قاسم أمين لم يكن يعني بهذا التعبير سوي إضفاء صبغة قوة التفكير وحسن المنطق علي عقل تلك المرأة التي تجلب في نظره السعادة من ناحية، وإعلان مساواة قدرات المرأة العقلية مع قدرات الرجل العقلية من ناحية أخري. العجيب أن دعاوي مثل هذه مازالت تناقش في وسائل الإعلام ويحث الرجال بعضهم البعض علي الارتباط بالمرأة التي يدعونها فيما بينهم (بلهاء) أي لا تلجأ لاستخدام العقل أو بلغة العوام (ليس لها عقل أصلا).. وكأن قاسم أمين إنما كان يوجه خطابه لهؤلاء الرجال الذين قد يظنون أن ما يجلب السعادة هو امرأة جميلة بلا عقل.. وهم بدون أدني شك يحتاجون لكلمات (قاسم أمين) التي توضح أن السعادة تسكن المكان الذي تسكنه المرأة الجميلة صاحبة العقل الذي يتساوي مع عقل الرجل. وماذا قال عن الوطنية؟ قال: (إن الوطنية الصحيحة لا تتكلم كثيرا ولا تعلن عن نفسها).. وهو حديث يحتاجه رجال كثيرون في عصرنا الحالي ربما أكثر ممن كانوا يحتاجونه في عصر قاسم أمين.. فالجميع يتحدثون عن الوطنية - ويحاسبون الآخرين مشككين في وطنيتهم.. بل إن أيسر ما يمكن رميه من التهم كل واحد علي الآخرين هو انعدام الوطنية أو التخوين والعمالة.. وهي جرائم مخلة بشرف الإنسان وبكرامته ولا أدري كيف انتشرت واستشرت دون عقاب في العصر الحالي.. متي يستمعون لتلك الكلمات الحكيمة ويقللون من الحديث عن الوطنية ويكثرون من الأعمال التي تنم عن وجودها؟ ويقول أيضا: (في الأمة الضعيفة المستعبَدة حرف النفي (لا) قليل الاستعمال.. يتسابقون إلي نقد أفكاره وهدم مذهبه.. وعلي الخصوص إذا رأيتهم ذهبوا في مطاعنهم إلي السب والقذف، فتحقق أنه طعن الباطل طعنة مميتة ونصر عليه الحق).. وهي مقولة لا تحتاج إلي التعليق، بقدر ما تثير بعض التساؤلات: هل نرفض من كان مذهبهم هو (لا) أي الذين لا يسيرون كما تسير الجماعة كلها بل يختلفون في منطقهم وقناعاتهم؟ هل نهاجم هؤلاء بالسب والقذف؟ وهل نعتقد حين نقوم بهذا أننا ننصر الحق؟ وأخيرا يهمس في آذاننا جميعا من آباء ومعلمين وأساتذة قائلا: (التربية هي التي أنتجت كل الرجال الذين نسمعُ عنهم، ونشاهدهم متحلّين بمزايا الاستقامة، والصدق، والكرم، والشجاعة، والشفقة، وحب الوطن، واحترام الحق، والدفاع عن الحقيقة، والخضوع للواجب، وبذل النفس والمال في خدمة العلم والدين والجامعة الوطنية).. عد يا قاسم أمين وعلمنا من جديد.