كان صوت أحمد عدوية ورامي عياش في الخلفية حين كنت أجلس مع بعض الأصدقاء في مكان عام وأجبرتنا الأغنية علي أن نحول مجري الحديث عندما سأل أحدنا الحضور عن معني السعادة؟ وطلب منا أن نحدد ما يسعدنا وما يتعسنا. بدا لغزاً محيراً للجميع وكأننا لا نعرف الإجابة، وبدأ كل منا يفكر ويبحث عن إجابة وكأنه يخشي أن يخطئ أمام الحضور، أثناء الصمت كانت الأغنية تدور بكلمات أيمن بهجت قمر "بحب الناس الرايقة اللي بتضحك علي طول أما العالم "المديئة"... أنا لأ مليش في دول". لاحظت بعضنا غير "رايق" علي الاطلاق رغم أنهم أنفسهم كانوا قبل لحظات من خضوعهم للاختبار يبدون وكأنهم سعداء!! قطعت واحدة من الحاضرين الصمت وأشارت إلي أمور مُسلم بها مثل: الصحة والستر والسمعة الطيبة والمال الحلال والمنصب الرفيع والشعور بالأمن والأمان علي النفس والأسرة والأبناء وسهولة العيش وتوافر أسس الحياة الكريمة، علي أساس أن غياب هذه الأمور أمر "يعكنن" أي شخص ولا يجعله سعيداً. رد صاحب السؤال بأن الشعور بالسعادة أمر نسبي فقد لا يحتاج واحد إلي منصب مهم ليسعد وقد يجد سعادته مثلاً في ثروة مهما كان مصدرها، أو يري آخر أن مجرد العيش دون مشاكل مصدر للسعادة، وربما يجد ثالث أن الستر نعمة تجعله سعيداً وتدفعه إلي التغلب علي باقي متاعب الحياة. كأن القائمين علي المكان أدركوا موضوع الحديث فكانت الأغنية نفسها تعاد كلما وصل عدوية وعياش إلي مقطعها الأخير فزاد إصرار الجميع علي المضي في الحديث نفسه والبحث عن إجابة سؤال السعادة والتعاسة. قالت واحدة إن عملها في مجال الإعلام أسعدها إذ حققت حلمها الذي عاشت سنوات لتحقيقه، وأنها كلما واجهت مشكلة تتغلب عليها دون أن تشعر بالتعاسة. وقال آخر إن الثروة التي حققها بالحلال بعد سنوات كفاح وتعب واجتهاد تشعره بالسعادة ليس لكونه ثرياً ولكن لأنه حقق ذلك دون أن يتنازل عن مبادئه أو يخون كرامته أو يسيء إلي سمعته. بينما قالت أخري، وهي لم تتزوج بعد، أن سعادتها في الارتباط بشخص تحبه ويحبها، شخص تحتاج إليه لأنها تحبه ولا تحبه لأنها تحتاج إليه، وأن ندرة الحب في زمن يفتقر إلي الأخلاق والمشاعر والأحاسيس والرومانسية يجعلها تشعر بالتعاسة، ردت أخري أنها تشعر بالسعادة لأن ابنتها الوحيدة ستتخرج نهاية هذه السنة في الجامعة وأن سعادتها أتت من قبولها التحدي الذي فُرض عليها بعدما مات زوجها قبل سنوات فتحملت المسئولية وكافحت واحتفظت بذكريات الزوج ومستقبل البنت في آن واحد. أما صديقي الذي مر بتجربة علاجية صعبة وأجري جراحة خطيرة قبل سنوات واقترب من الموت ونجاه الله، فقال: يمكنك أن تكون في أشد الأوقات صعوبة ولا تعرف ما إذا كنت ستظل حياً لليوم التالي أم لا، ويعتصرك الألم ويكاد يفقدك وعيك وتفكر في تدبير تكاليف العلاج أو مستقبل الأبناء إذا رحلت وفجأة تشعر بالسعادة تغمرك عندما تجد العشرات من الأصدقاء حولك لا مصالح تربطك بهم ولا صلة قرابة، ولا أهداف سوي المشاعر والأحاسيس والحب، عندها تشعر أنك سعيد حتي لو فارقت الحياة. أخيراً جاء دوري ولم أكن فكرت إذ انشغلت في تفسير آراء الآخرين فتكلمت من دون ترتيب للأفكار أو افتعال، وقلت إن السعداء ليسوا وحدهم الشرفاء أو الأسوياء، فاللصوص سعداء بما سرقوه، والفاسدون سعداء بما "لهفوه"، والجبناء سعداء بما اقترفوه في حق الآخرين، وعلي ذلك فالسعادة لا تعبر دائماً عن الرضا أو النقاء، وقد تكون في أحيان كثيرة ترجمة لغل أو حقد أو انعدام الأخلاق، عاجلني صديقي بالسؤال: وبالنسبة لك؟ قلت: أتمني أن أكون بين الأسوياء وسعادتي عندما لا يؤرقني ضميري، ولا توجعني كرامتي، ولا تهزني أحزاني، ولا تؤذيني خيانة، أو تؤلمني ذكري كاذبة، ولا تشغلني مكيدة "شربتها" ولا ذنب اقترفته، ولا حق أهدرته، ولا ثأر تركته عن طيب خاطر، ولا مظلوم ظلمته دون قصد.. باختصار فإن السعادة بالنسبة لي في راحة البال. استمر النقاش دون أن نتفق علي تعريف واحد للسعادة وانتهينا. وحين كنت أقود سيارتي عائداً إلي منزلي بعد منتصف الليل والشوارع خالية من البشر إلا قليلاً، كنت أستعيد باقي كلمات الأغنية: "وبأحب اللي مخليها علي الله اللي ما يحسبهاش.. ده العمر قصير ليه نتغير ولا منعشهاش.. بقي كام شالوا هم وحرقة دم.. ياعيني راحوا بلاش".. عندها تمنيت راحة البال وإلا "رحت بلاش".