علي شاشة التليفزيون ظهر مغن اسمه رامي عياش لبناني صوته معقول ومعه المغني المصري المشكلة أحمد عدوية، والمناسبة كانت اشتراكهما معا في غناء أغنية عنوانها أو اسمها هو وبحب الناس الرايقة. وبقية كلمات المقدمة وجدتها مهمة لأسباب سأذكرها فيما بعد لكن ما يعنيني هنا في اللقاء الذي أجراه معهما تامر أمين في البيت بيتك أكثر برامج التليفزيون المصري جماهيرية الآن هو هذا الكم من التضخيم والمجاملات التي تصل إلي حدود النفاق ما بين المغنيين ليست نفاقاً بالطبع ولكنها تضعك في إطار من الحيرة حين يتحدث مغن لبناني شاب أعرف أنه منتشر وله جمهور محدود عن عدوية المغني المصري الشعبي وكأنه أسطورة الأساطير في فنه! فإذا صدقناه فماذا يكون عبدالوهاب أو سيد درويش أو السنباطي أو عبدالحليم إذن؟ نعم أحمد عدوية مغن صعد في فترة محددة وانتشر وتميز بلون خاص به حقق نجاحاً كبيرا في زمن محدد حتي تعرض لحادثة بشعة لا أذكر تفاصيلها الآن ولكنها تركت آثارها الواضحة عليه والتي منعته من الاستمرار.. لكنه، وبقوة إنسانية عالية وروح مقاومة هزم مرضه ليحاول العودة من جديد، وبرغم أن ابنه نفسه سلك نفس الطريق وتحول للغناء، أي أنه لم يكتف من الغناء والنجاح بما حقق قبل الحادثة، وبما يحققه ابنه الآن وإنما بدأ يعود من جديد وفي البرنامج كان يتحدث بصعوبة بالغة جعلتني أشعر بالألم لمعاناته الواضحة (هل يمكن ألا تكون كذلك بينما يصلنا نفس الاحساس) وكانت قصة لقاء الصوتين في أغنية واحدة هي محور الحديث في برنامج مهم لم يهتم بضرورة تواجد كاتب كلمات الأغنية لسؤاله عن كلماتها الغريبة التي سمعت مع الشباب وفوراً وخاصة المقدمة التي تقول: وبا حب الناس الرايقة.. اللي بتضحك علي طوال.. أما العالم المتضايقة.. أنا لأ.. ماليش في دول فإذا تأملنا هذه الكلمات سنجدها دعوة لترك كل ما يثير اهتمام الإنسان في حياته ويدفعه للجدية مع النفس ومع أموره التي تحتاج إلي التفاعل معها بإيجابية.. وبدون تساهل. ثم ماهو مفهوم الناس الرايقة الذي تطرحه هذه الأغنية.. وما معني أنهم الذين يضحكون علي طول.. هل هناك من يضحك دائما في كل زمان ومكان؟ وهل يوجد من يضحك دائما في مصر الآن إلا هؤلاء الذين لا يأبهون لشيء في الحياة.. مهما كانت قيمته أو تأثيره.. هل يقصد كاتب الأغنية المساطيل مثلا أو أصحاب نظرية تكبير الدماغ والبعد عن أي شيء يكدرها لأنها أي الحياة، فسحة وتنطيطة وزيطة، كما يقول بعض الشباب اليوم؟.. ثم من هم العالم المتضايقة الذي يقول لافض فوه.. أنا لأ ما ليش في دول.. هل هم المتضايقون من الأحوال المايلة أم من تسيب وانفلات، أو لأن لديهم ما يؤلم ولا أحد يعيرهم اهتماما.. منتهي السلبية والدعوة إلي أن يتقوقع كل واحد منا في خندقه، أو يرحل من يستطيع إلي عالم الروقان حيث الناس لا تكف عن الضحك.. هكذا بدون انقطاع.. مهما وجدت حولها من أشياء لاتدعو للضحك أبداً.. وأضرب مثلا صغيراً بنفسي فقد ذهبت للإسكندرية بقطار الساعة 11 في الدرجة الأولي، كنت سعيدة ومتبسمة لفكرة البعد يومين عن القاهرة، ورؤية أمي لكن القطار تكفل بنقلي إلي حالة أخري، فلم يكن به أبسط أبسط الاشياء التي تعني احترام آدمية من يسافر به، لا شبكة في ظهر الكرسي لوضع جرائدك وأشياءك الصغيرة ولا مقبض أو علاقة لتعليق حقيبة يدك ولا درج صغير لإلقاء نفاياتك ولا منضدة تخرج منه لوضع كوب الشاي أو السندويتش، بدأت أتوتر أنا وغيري وكاد الأمر يمر علي أنه تسيب وإهمال من السادة المسئولين عن القطار لولا حضور أسرتين بأطفالهما في اللحظة الأخيرة ليلحقا بالموعد، وما حدث طوال الرحلة عن حركة الأطفال ولعبهم وأيضا تعاملهم مع الحلويات والشيبسي وغيرها من المأكولات التي ملأت القطار بنفاياتها ليصبح مزبلة بعد ساعة واحدة من قيامه، ولتتحول الرحلة، الجميلة إلي أمر شديد الوطأة فلا يستطيع راكب أن يمنع غيره من اصطحاب طفله ولا يستطيع طفل قضاء ثلاث ساعات بدون حركة وأكل ولا توجد أي مساعدة من إدارة قطار تابعة لهيئة السكة الحديد التي يملأ مسئولوها الدنيا بتصريحات عن التحديث والتطوير، فإذا بهم يتغاضون حتي عن درج القمامة الصغير.. بينما لايتغاضون عن رفع سعر ما يتقاضونه منا مقابل تذكرة القطار.. هل في ظل هذا كله علينا أن نكون رايقين.. وألا نكف عن الضحك.. وإذا غضبنا وشعرنا بالإهانة والاستغلال نصبح من الناس المتضايقة الذين ينصح المؤلف والمغني الناس بالابتعاد عنهم يدخل يقول البعض إنها مجرد أغنية.. ولكنني أراها أكثر من ذلك فهي مبدأ مطروح علي الجميع للتفاعل معه، والدليل علي ذلك.. أنني سمعتها كرنة من رنات ثلاثة هواتف لبعض المحيطين بي.. كلما حادثت أحدهم تخرج الاغنية لي تبوح بحبها للناس الرايقة.. بالعند في كل من يغضب لأي أمر حوله باعتباره من بني البشر.