لا ينزل النائب في البرلمان إلي الشارع إلا في حالتين، الأولي للقاء أبناء دائرته والتواصل معهم، والاستماع إلي مشاكلهم، ومن ثم التعبير عنها تحت قبة البرلمان، والثانية حين تبدأ انتخابات مجلس الشعب، حيث يقضي النواب معظم وقتهم في الشوارع للمرور علي الناخبين بغية الحصول علي أصواتهم. ومؤخرا أضيف إلي المهام النيابية مهمة ثالثة وهي التظاهر أمام مجلس الشعب أو في الشارع للتعبير عن مطالبهم، وهذا أمر يبدو وكأن النائب قرر التنازل عن نيابة الشعب والتحول إلي مواطن عادي يتظاهر في الشوارع للمطالبة بمطالب جماهيرية أو فئوية أو حتي لاستعراض القوة، ولفت الانتباه للقوي غير الشرعية التي يمثلها. ومع التأكيد علي أن التظاهر من الحقوق المشروعة للمواطنين كافة، باعتباره وسيلة من وسائل الحق في التعبير، لكن يفترض أن حرية التعبير لها درجات، فالمواطن العادي يتظاهر في الشارع حين يفشل في الحصول علي حقوقه، وحين يتقاعس نواب الشعب عن تمثيله ونقل قضاياه إلي المجلس النيابي، لكن حرية تعبير النائب تكون تحت قبة البرلمان، ليس بمجرد الكلام، وإنما تحويل الكلام إلي فعل يؤدي إلي رقابة حقيقية علي الأداء الحكومي، ثم الحرص علي خروج تشريعات تعبر عن الناس وتحقق مصالحهم. وحين يترك النائب هذه الحقوق التي انتخبه الناس للقيام بها، ويقرر التظاهر في الشارع، فهذا يعني أن هذا النائب المحترم فشل في القيام بمهامه، وكان أولي به إما أن يترك مقعده ويستقيل من نيابة الشعب، أو يعقد مؤتمرا صحفيا يقول فيه لمن انتخبوه ومن يمثلهم إنه لا يستطيع القيام بمهامه. أمس اختار بعض نواب الشعب القيام بمسيرة احتجاجية من أمام مسجد عمر مكرم، الذي تشيع منه الجنازات، وتقام به سرادقات العزاء، فهل كان اختيار المكان مقصودا؟.. وهل يعني أننا نشيع السادة النواب الذين فشلوا في نيابة الشعب؟.. أم نتلقي العزاء في التجربة النيابية العريقة؟.. أم أن هذه المسيرة هي افتتاح للحملة الدعائية الانتخابية للنواب الحاليين في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ حينما ينتخب الشعب نوابه يذهبون في أول يوم إلي البرلمان حيث يستخرجون بطاقة عضوية مجلس الشعب، وتوزع عليهم أوراق تعرفهم حقوقهم وواجباتهم، ونسخة من الدستور، وأخري من لائحة مجلس الشعب، حتي يكون النواب علي دراية بمهامهم النيابية. ويبدو أن هذه الإجراءات غير كافية، لذلك يمكن لمجلس الشعب عقد محاضرات مسائية للنواب في غير أيام عمل المجلس لمحو الأمية النيابية، لعلها تعيد النواب من الشارع إلي البرلمان، وتعلمهم كيف يدافعون عن حقوق الوطن والمواطنين تحت القبة وليس خارجها.. علي أن يحصل كل نائب يحضر هذه المحاضرات علي بدل نقدي، حتي نضمن حضور النواب، شريطة ألا يوقعوا نيابة عن بعضهم البعض، ويكتفوا بالجلوس في البهو الفرعوني!