أحمد الله علي أن الزميلة القديمة إسعاد يونس مازالت هي إسعاد التي أعرفها، لم يتمكن أحد من إدخالها الحظيرة كما هو واضح من مقالها الجمعة الماضية.. وأقول، الشائع بيننا جميعًا في العلاقات المصرية الإسرائيلية هو أن التطبيع هو نفسه العلاقات الطبيعية، الواقع أن ما نسميه التطبيع أبعد ما يكون عن العلاقات الطبيعية ولذلك تلاحظ أن الناس والمثقفين بوجه خاص من الممكن أن يصابوا بالهلع عندما تذكر أمامهم كلمة التطبيع بكل أنواعه وليس الثقافي فقط، غير أن العلاقات الطبيعية بيننا وبين إسرائيل في أشد المجالات حيوية مثل الصناعة والتجارة والتفاوض بين الفرقاء المتصارعين وغيرها، لا تثير فيهم أي إحساس بالخوف أو المعارضة لسبب بسيط وواقعي هو أنها علاقات طبيعية، من الطبيعي أن تتدخل المخابرات المصرية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لأن الأمر يمس مباشرة حدود الأمن المصري بما يترتب علي ذلك من آثار علي الأمن القومي، ومن الطبيعي أن يعمل التاجر المصري مع التاجر الإسرائيلي علي مستوي مصر أو علي مستوي المنطقة، من الطبيعي أن تكون هناك مصانع في مصر طبقا لاتفاقية الكويز تنتج سلعًا بخامات مشتركة معفية من الجمارك في حال تصديرها إلي أمريكا، من الطبيعي أن تستقبل الفنادق المصرية والعاملون بها عشرات ألوف السياح الإسرائيليين وأن تتعامل معهم تعاملا طبيعيا، ولأنها أمور طبيعية لذلك لن تجد نقابيا أو كاتبا صحفيا أو مقدم برامج يهاجمها بوصفها تطبيعا.. ولكنه علي استعداد لأن يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا عرف أن رواية لكاتب إسرائيلي تسللت لأرفف مكتباتنا، حتي لو كان هذا الكاتب هو ديفيد جروسمان المدافع الدائم عن حق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة. العلاقات الطبيعية كما يتضح من اسمها.. طبيعية، وهي تنتمي لأرض الواقع وما يفرزه من مصالح تتحقق بتعاون البشر مع بعضهم البعض، أما التطبيع علي جبهة الثقافة والإبداع، فهو ينتمي لعالم الميثولوجي، تماما مثل أمنا الغولة والبعبع وأبو رجل مسلوخة. لا أحد قادرا علي التفكير المنطقي الصحيح في مواجهة أمنا الغولة، لا أحد سيفكر في كيفية الدفاع عن نفسه في مواجهتها، ما سيحدث فعلا عندما تفاجأ بنفسك أمام أُمنا الغولة هو أن تستولي عليك نوبة من الرعب الكوني. هناك غرفة في العقل يخزن فيها اللاوعي الجمعي من آلاف السنين كميات هائلة من الرعب يحولها إلي ساتر يحميه من موقف هو ليس جاهزا للتعامل معه. هذا هو بالضبط ما حدث في مهرجان السينما الذي أقامه المركز الفرنسي، عندما نرأي أحد المخرجين الشبان الذي لم نشاهد له فيلمًا بعد، ومع ذلك اختاروه محكما، فكانت النتيجة أن شاهد أبو رجل مسلوخة متنكرا في هيئة فيلم فرنسي أخرجته شابة إسرائيلية. غير أنه لم يشعر بذلك النوع من الخوف الذي يقعد الإنسان عن الحركة والنشاط، بل بنوع آخر يصنع البطولات في غياب إبداع حقيقي يضمن لصاحبه إعجاب الجمهور، وعلي الفور انضم له من يسميهم الأستاذ سمير فريد أصحاب الأهداف الأخري. واختفي بطل الحكاية وربما كان في انتظار العثور علي فيلم يمثل فيه أو يخرجه إسرائيلي في مكان ما علي الأرض العربية. القادر علي المنافسة مع الجن الأزرق بإبداعه، فلن يخشي التطبيع الثقافي، أما العاجزون عن ذلك، فالطريق إلي كل البطولات الشعبوية الخائبة مفتوح أمامهم، وإلي كل فنان شاب، لن يبقي منك سوي إبداعك فاحرص عليه، لا تسمح لأحد أن يلغوص في عقلك ويبتعد بك عن طريقك السليم.. طريق الإبداع.