في الوقت الذي اشتعل فيه غضب المصريين علي الحادث البشع لقتل مصري علي يد لبنانيين في قرية كترميا بالجنوب بسبب ما قيل عن أنه قتل أربعة لبنانيين، كان مصريون يقطعون الطريق الزراعي في محافظة المنيا، وطريق جمصة - المنصورة ويرشقون السيارات بالحجارة احتجاجا علي حوادث الطرق. وفي بعض الأحيان إذا تعرض أحد مواطني قرية لحادث طريق يمسك الأهالي بالمتسبب في الحادث ويعتدون عليه وقد يلفظ أنفاسه من الضرب، وفي صعيد مصر، كثيرا ما تلجأ الأسر والعائلات للأخذ بالثأر بنفسها كما حدث في قرية الحجيرات بقنا قبل أيام. وفي جنوب لبنان كما في جنوب مصر، وفي مناطقها القبلية، يعمي الثأر الناس عن وجود قانون، وينزعون إلي تطبيق العدالة بأيديهم، وهو سلوك لم يعد أحد يقبله، منذ أن ظهرت الدولة الحديثة، وأصبحت مهمة القصاص وتنفيذ العدالة من واجبات أجهزة الدولة، وليست من حقوق المواطنين. وما حدث في قرية كترميا اللبنانية أمر محزن بلا شك، وغير إنساني بالمرة، يجب أن يدينه الجميع ليس لأن القتيل مصري، وإنما لأنه إنسان له حقوق، منها الحق في التحقيق والمحاكمة العادلة، وإذا أدانه القضاء فمن حقه الحكم عليه بأي عقوبة يراها مناسبة حتي ولو كانت الإعدام. ومن حقنا في مصر أن نغضب لبشاعة الجريمة، ولكن ليس من حقنا أن نحول القضية إلي شأن يمس الكرامة الوطنية، فليس علي رأسنا ريشة، ولا الآخرين أيضا.. وليس من المقبول أو المنطقي تحميل وزارة الخارجية مسئولية ما حدث بدعوي إهمالها في الحفاظ علي حقوق وأرواح المصريين بالخارج، فهذه قضية ليس لها علاقة بالجنسية أو السياسة، وإنما هي مجرد حادث ثأر تحول إلي عمل غوغائي. وحتي لا يسارع الكثيرون بإثارة النعرات، وتحويل الأمر إلي أزمة بين الشعبين المصري واللبناني، ينبغي التأكيد أن السلطات اللبنانية تتعامل بمنتهي المسئولية والشدة مع القضية بداية من الرئيس ميشال سليمان وحتي الشرطة المحلية في القرية الجنوبية الصغيرة. وفي تصريح لراديو بي بي سي، قال مختار كترميا "عمدة القرية" نحن مثل قنا في صعيد مصر تماما، وهذا حقيقي، وقبل أن تأخذنا الشوفينية المصرية لتوتير العلاقات مع لبنان وغيرها من البلدان العربية يجب أن نعرف الكثير عن العادات والتقاليد العربية، فجرائم الثأر والشرف تنتشر في لبنان والعراق والأردن وفلسطين، والجزائر، وغيرها من البلدان التي تجذب العمالة المصرية.. وعلي كل مصري يفكر في العمل بالخارج، ليس فقط معرفة قوانين البلد الذي يعمل به، وإنما عاداته وتقاليده أيضا، حتي لا تتحول جرائم صغيرة أو كبيرة إلي أزمات دبلوماسية، تؤدي إلي قطيعة بين الشعوب.