ما أقسي بيرم التونسي في حملته الشعرية العنيفة ضد أحمد فؤاد، السلطان الذي تحول إلي ملك بعد دستور 1923، ولم يكن صعوده إلي العرش واردا إلا بعد اعتذار الأمير كمال الدين حسين، ابن السلطان حسين كامل، لأنه رفض أن يكون سلطانا في ظل الإنجليز. يقول بيرم في جزء من هجائيته: «ولما عدمنا بمصر الملوك جابوك الإنجليز يا فؤاد قعدوك تمثل علي العرش دور الملوك وفين يلقوا مجرم نظيرك ودون»! قُدر لمن يصفه بيرم في القصيدة ب«تيس التيوس» أن يصعد إلي العرش، وكم شهدت مصر من أحداث جسام وتحولات جذرية في سنوات حكمه: ثورة 1919، تصريح فبراير 1922، دستور 1923، أول برلمان عصري حديث، صراعات سياسية وحزبية، انقلابات ضد الديمقراطية الوليدة، نهضة في شتي المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والاجتماعية، ثم جاءت النهاية المحتومة، ومات الملك أحمد فؤاد في الثامن والعشرين من أبريل سنة 1936. لم تتوقف الحياة بطبيعة الحال، وشيع المصريون مليكهم بما عُرف عنهم من احترام لقداسة وجلال الموت، لكنهم راودوا عهدا جديدًا يحفل بالمزيد من الاستقرار، وراهنوا علي الشاب الجميل الوسيم فاروق الذي سيصعد إلي عرش أبيه، سرعان ما خابت الظنون، وانكسرت الأحلام، وأضاع الملك الجديد فرصة ذهبية تتمثل في حب الشعب له والتفافه حوله، فقد أحاطت به حاشية السوء، وبات الطريق ممهدا لسقوط النظام كله. علي الرغم من آثام الملك فؤاد وسلبياته التي لا تُعد، ففي سجله إيجابيات ومآثر حسنة، ودوره في إنشاء الجامعة جدير بالإشادة، لكن النظرة الأحادية لتاريخنا أفسدت وشوهت الكثير، فمتي نعيد النظر ونؤمن بأن البشر ليسوا ملائكة أو شياطين؟