لن أكتب اليوم في السياسة حتي وإن انتهي الموضوع إليها.. أكتب عن الحب والخيانة والانتقام.. من جديد ستبدأ وقائع محاكمة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي والضابط السابق محسن السكري في القضية المتهمين فيها بقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم. وسينشغل المجتمع المصري مجدداً ومعه المجتمعات العربية الأخري بملاحقة جلسات المحاكمة بعدما حظيت المحاكمة الأولي للاثنين باهتمام بالغ نظراً للشهرة التي كانت تتمتع بها الضحية والنفوذ الذي كان يحيط بالمتهم هشام طلعت مصطفي والسطوة التي سيطرت علي المتهم الآخر محسن السكري إضافة إلي البعد الإقليمي للقضية فالمتهمان مصريان والجريمة وقعت في دبي لضحية لبنانية، كذلك لما حوته تفاصيل القضية من توابل مغرية لوسائل الإعلام: المال والسلطة والجريمة والحب... والعقاب. نال المتهمان حكماً بالإعدام في المحاكمة الأولي أسقطته محكمة النقض بحيثيات مقنعة ولضرورات منطقية وأمام المتهمين فرصة هذه المرة لنيل البراءة أو أي حكم آخر بما فيها الإعدام وفي تلك الحالة سيتعين عليهما اللجوء مجدداً لمحكمة النقض لإسقاطه لكنها ستكون المرة الأخيرة وبعدها "التالتة تابتة" كما يقولون فإما أن تثبّت النقض الحكم وترفض الطعن أو تقبله وتنظر بنفسها في موضوع القضية ويكون حكمها نهائياً و"التالتة تابتة". والمؤكد أن الصحف وبرامج الفضائيات التي ستبدأ مجدداً في محاكاة الجريمة والبحث في دوافعها وعرض الأدلة والبراهين سواء تلك التي تصب في اتجاه تبرئة المتهمين أو أحدهما أو إدانة أحدهما وتبرئة الآخر أو تبرئة الاثنين، ولأن المثل المصري يقول: "اللي إيده في المية غير اللي إيده في النار" فإن كل ما سيقوله الناس أو تلوكه وسائل الإعلام من مبررات تري ضرورة إدانة المتهمين مجدداً أو حيثيات لتبرئتهما ستبقي مجرد أمنيات أو تخمينات أو توقعات لن تهم المتهمين كثيراً أو قليلاً فالكلمة الأولي والأخيرة لهيئة المحكمة وضمائر أعضائها. عموماً تربيت في مدرسة صحفية تحرص دائماً علي مراعاة حقوق الآخرين بمن فيهم المتهمون في القضايا المنظورة أمام المحاكم وتلتزم مواثيق الشرف الصحفي وحقوق القراء والمجتمع، وعلي ذلك لن أكتب طوال فترة المحاكمة سواء عن وقائعها أو وجهة نظري في أحداثها أو ما ستكشفه جلساتها من مفاجآت . لكن بما أن المحاكمة لم تبدأ يمكن رصد الأسئلة التي يتداولها الناس: هل فعلها المتهمان فعلاً؟ هل يمكن أن يتورط شخص عام ناجح ومشهور وذو سطوة ونفوذ في جريمة كتلك؟ لماذا وقع المتهم السكري في تلك الأخطاء الساذجة التي كشفته؟ هل حقيقي أنه لا جريمة كاملة ؟ هل يستحق المتهمان الإعدام والقتيلة مجرد فنانة؟ هل الغيرة سبب يمكن الاستناد إليه في صدور حكم مخفف؟ ماذا فعلت الضحية حتي تصل الرغبة في الانتقام منها إلي هذه الدرجة؟ هل تعاقب الخائنة بالقتل أو بالتشهير أوبترك أمرها لله؟ أليس من الأفضل بالنسبة للمنتقم أن يلجأ إلي أسلوب آخر طالما أن لديه آليات يستطيع استخدامها ليشفي غليله كأن يحاصرها أو يفضحها أو يجردها من أموالها أو يضر بأقرب الناس إليها؟ هي التساؤلات التي يتداولها الناس لكن الإجابة عنها أمر لا يليق؛ لأن المتهم بريء حتي تثبت إدانته وطالما الموقف في القضية الآن يقوم علي أن مصطفي والسكري متهمان في قضية تنظر من جديد فلا مجال للحديث عن وقائع وكأنها أمور مسلم بها. في تاريخ السينما المصرية مازال فيلم "غرام وانتقام" الذي جسده يوسف وهبي واسمهان نموذجاً لوقائع الحب والخيانة.. والانتقام.. كان المجتمع أبسط وأهدأ وأكثر نقاء ولذلك كانت القصة بسيطة ومليئة بالمصادفات.. فالفنانة استدرجت البطل المشهور إلي علاقة لتحقق غرضها في توريطه، أحبها وتفاني في حبه لها، وهي التي كانت تخطط وتدبر وتكذب وعندما تظهر الحقيقة يكون الحبيب تورط في جريمة. أما هي فتموت بعد أن يتسلل حبه لها وتتحول لعبتها عليه إلي وبال عليها.. ماتت أسمهان (أو سهيرفي الفيلم) قبل انتهاء التصوير فاحتار القائمون عليه ثم وجدوا الحل بأن تموت أيضاً في الفيلم لتدفع ثمن الغدر والخيانة... لكن سوزان تميم ماتت مقتولة ودون أن يكون هناك أي فيلم.. كان ليوسف وهبي مقولة شهيرة: "وما الدنيا إلا مسرح كبير" قالها منذ سنوات طويلة لكن الزمن أو مسرح الحياة لا ينتهي من قصص الحب والغدر.. والانتقام.