في نص " ظلك الدليل والمرآة أنا " للروائي والقاص إلياس فركوح والمنشور ضمن كتابه " حقول الظلال " لا نجد المجازات مجرد تبيان للتجربة أو انعكاس لمشاعر وأحاسيس الرجل والمرأة بل هي الأحداث التي تشغل النص. خلال قراءتنا للنص لا نتتبع قدرة لغوية تهدف إلي حكاية تجارب مختلفة بل نجد أن المجازات هي الحكاية نفسها. وتتبعنا لها علي مدار النص هو ما يدخلنا التجربة المحكية ويجعلنا أحد المشاركين في كتابته. وليس المقصود هنا استبدال أحداث مجازية بأحداث واقعية معتادة، بل إن الحكاية نفسها مجازات معاشة وتتبدي لنا من زوايا مختلفة. لذلك لا نجد أن مجازا ما يكتفي بظهور في موضع من النص وينتهي فعله بل نجده يمتد ويشكل حدثا جديدا، أو يدفع إلي تأمل إحساس لم يكن اتضح في البداية. "أخبرته ذات يوم بأنني كنت مثل الماء أطفو وأتحرك، أنا الآن جليد ثم سأتحول إلي بخار. سأكون بعيدة جدا عنك سأكون وحيدة للغاية لكنني علي أية حال موجودة. " ثم من خلال الرجل يعاود الماء الظهور مرة أخري "ليس من شيء كالنوم أستسلم له بكل طواعية إلاها .... ثم أجدني أسأل: أأفعل هذا لأنها كما قالت مثل الماء؟... عندها أعود ثانية الي قولها بأنها مثل الماء وبأنها كما فسرت ذلك كالماء تراوغ من غير أن تكمل معناها". لا نقرأ هنا الماء كمجرد مجاز لغوي بل حدث يعيشه طرفا العلاقة ويؤثر فيهما ويستدعيانه أحيانا كذكري يحاولان فهمها. والمجازات هنا تدع التأويلات المتعددة حاضرة ومتصارعة في نفس الوقت. فالمجازات لا تعرف الفصل بين أصل وصورة، بين تفاصيل صغيرة أو كبيرة، فالمجازات تسعي الي التشكك فيما استقر من مسميات وإعادة رؤيتها من جديد. والرجل في النص يعرف أنه لا يقدر علي القبض علي حقيقة واحدة، لا يقدر علي القبض اللحظة الحاضرة التي تخايله بأنها قاب قوسين او أدني " قلت لها بأننا نعيش في الفاصل بين زمنين . الأول مضي لا نعرف عنه سوي الحكاية ، والثاني لم يأت بعد... " ويعمق من اللحظة الراهنة ويخرجها من أطر الزمن المحددة أن الخيال " يظل ظلالا لنا... فلا أميز بين خيالات الضوء وخيالات الرأس الغارق في عتمته ". الرؤيا والأحلام والخيالات هي وجوه المجازات التي تشغل النص، وهي التي تحاول الكشف عن اللحظة بظلالها المتعددة. والظلال لم تعد تابعة للشخص بل صارت المستويات الدلالية المختلفة للحدث التي قد يتبعها الشخص ويستدل بها " فأراني أمشي فيمشي ظلي معي أو يغفل ساهيا ليحدث حجرا نسيه آخر البنائين عن أن الهجران هو حكمة الوجد وأن وجع المحبين شهد الروح وأن ذبول الصورة من غير جزئها الناقص أمر لا مندوحة عنه... ثم أراه يشير علي: لحظتها، أعاين المسافة بيني وبينه، وأقيس كم امتدت لتبقيني بعيدا، انتظر أن يمشي لأمشي خلفه وأتبعه لكنه يركن إلي حجر وينام فأنام أنا لتستيقظ الرؤيا " وإن بدت المرأة في مقاطع من النص قادرة علي بلورة الصفات والمشاعر لكنها وبتأثير من المجاز الذي يشمل النص كله تصير رؤاها " بين بين " لا تحط علي ضفة بعينها ولا نستطيع التيقن من أي منها. البحث عن معني الحقيقة واللحظة الراهنة قلب العلاقة أو الصراع بين الرجل والمرأة. بقدر استغراقهما في العلاقة وتمسكهما بها يعاودان دائما تأمل حقيقة العلاقة. ودوما هناك جزء غير مكتمل في الصورة وعليهما البحث عنه. وعليهما إعادة تجميع أجزاء الصورة وإعادة قراءتها. ونستطيع أن نري في كل جزء من أجزاء هذا النص إعادة قراءة للعلاقة أو لإحدي مجازاتها. وإعادة القراءة تعني أن فعل التأويل لا نهاية له. وأن الرجل والمرأة يتبادلان النظر إلي العلاقة بينهما كأنه نص قيد كتابة لا تنتهي أولا تتوقف.