اختلفت تعليقات أصدقائي حول خبر صعود الشاب المصري إلي قمة هرم خفرع. وحتي الصحف والبرامج اختلفت تعليقاتها علي الحادث الذي تم نشره بصيغ متباينة بين السخرية والإشفاق، وبين التندر والاستغراب. وقد رأي البعض في صعود (فاروق) للهرم تحت جنح الظلام الدامس مغامرة جريئة، ورأي غيرهم أنه ضرب من جنون لا معني له ولا هدف. واعتقد بعض أصدقائي أن في بقائه طوال 16 ساعة علي القمة رقما قياسيا يستحق التسجيل، ورأي آخرون أنه نوع من الانتحار ينم عن عدم توازن نفسي. ولكنني أنظر إلي قصة (فاروق عنتر) بمنظور مختلف بعض الشيء. ولا أظنه مختلا ولا منتحرا. وبالرغم من أنه قد خالف القانون وصعد إلي الهرم بعدما غافل الحراس الذين يمنعون المصريين والأجانب علي حد سواء من ذلك، وبالرغم من أنه هدد بالانتحار إذا اقترب منه أحد وهو علي القمة، إلا أنني أراه مغامرا جريئا، وصاحب إيمان نادر يؤمن بتحقيق أحلامه، ويعمل علي تجسيد الحلم في الواقع، وآراه مبادرا ومتميزا وطموحا ومحبا للحياة. تقول الصحف: إن (فاروق عنتر) هو إنسان بسيط من محافظة الدقهلية يعمل (استورجي) ويبلغ من العمر 24 عاما فقط. وأنه يعشق الفراعنة حتي أنه قد رأي في منامه أكثر من مرة انه يتسلق الهرم ويصل إلي القمة، وأن اسمه يسجل في الموسوعات العالمية عندئذ. وبالنظر إلي أقواله نفهم أن الشاب صغير وبسيط وصاحب إيمان بما يحلم به وما يحبه ومن قوة إيمانه بما يحبه وما يحلم به استطاع تحقيقه ببساطة بالرغم من صعوبته. لا أتخيل كيف استطاع فاروق صعود الهرم في 3 ساعات، وفي الظلام، ودون أي خبرة مسبقة، ولا أدوات تساعده، ولا صديق يشجعه! ولا أفهم كيف تسلق طبقة الرخام الأملس التي تغطي هرم خفرع دون أن ينزلق أو تزل قدمه! ولكنني أستطيع أن أتصور مدي سعادته بذلك الإنجاز الذي آمن به حتي رفض أن يقترب منه أحد ويفسد عليه تحقيق هذا الحلم الغالي! وأدرك سبب عدم خوف فاروق من السقوط أو الظلام أو الوحدة لأن الإيمان يصنع المعجزات، وصاحب الإيمان لا يخاف، بل يتوفر لديه قدر كبير من الثقة. ومن الصعب أن تجد شخصا صاحب تعليم وثقافة علي درجة كبيرة يقوم بمثل تلك المغامرة. لأنه سيفكر في المخاطر وسيحسب الوقت والمجهود ومدي الفائدة التي ستتحقق من جراء المغامرة في مقابل مخاطرها، وقد ينتظر حتي يحصل علي تصريح أمني، ويفضل أن يتصل بجهات إعلامية تغطي الحدث. وربما يسجل المحاولة قبل أن يقوم بها حتي عندما ينجح يسجل إسمه في الموسوعات العالمية. وغالبا ما سيضع بعض الاحتياطات المضمونة من المعدات الخاصة بالتسلق وبحماية المتسلقين حتي لا يلقي بنفسه في التهلكة. (فاروق عنتر) ليس كذلك، بل هو في رأيي نموذج للإنسان البسيط صاحب الإيمان القوي، الذي يعتمد علي إيمانه أكثر من حساباته العقلية. لست مثله ولكنني أحترمه. لا أقوي علي المغامرات، ولكن لدي القدرة علي تقدير المغامرين. أحاول أن يكون لي إيمان بهذا المقدار لأن إيمانا كهذا يصل بصاحبه إلي القمة.