ليس في استطاعة إسرائيل هزيمة الشعب الفلسطيني علي الرغم من كل ترسانتها العسكرية ذلك عائد إلي سبب في غاية البساطة، لا تمتلك إسرائيل حاليا مشروعا سياسيا واضحا مرتبطا بمنطق التاريخ أو بهذا المنطق من قريب او بعيد لا يمكن للاحتلال أن يؤسس لمشروع سياسي قابل للحياة، كذلك الأمر بالنسبة الي مصادرة حقوق شعب موجود علي الخريطة السياسية للشرق الأوسط تنتصر إسرائيل عندما تواجه بالسلاح والعمليات الانتحارية والصواريخ العشوائية مثل تلك التي تطلق هذه الأيام من قطاع غزة وتخسر عندما تكون هناك رؤية فلسطينية واضحة للأمور ومشروع سياسي معقول ومقبول من المجتمع الدولي. وتخسر خصوصا عندما يكون هناك في فلسطين من يبني ويؤسس للدولة الفلسطينية التي ستري النور عاجلا أم آجلا... مهما طال الزمن ومهما بلغت التحديات. كانت مناسبة احتفال الشعب الفلسطيني بذكري «يوم الأرض» ذات معني عميق هذه السنة وذلك ليس عائدا إلي أن الفلسطينيين اظهروا مرة أخري مدي تعلقهم بالأرض فحسب، بل بسبب عوامل عدة أخري في طليعة هذه العوامل تمسك الرئيس الفلسطيني السيد محمود عبّاس (أبو مازن) بالثوابت ورفضه العودة إلي المفاوضات من دون تجميد الاستيطان الإسرائيلي من جهة ومن دون مرجعية واضحة لعملية التفاوض تتمثل المرجعية بالضمانات التي اعطيت الي الجانب الفلسطيني قبيل مؤتمر مدريد في العام 1991 فضلا عن تأكيد واضح بأن حدود الدولة الفلسطينية سترسم علي أساس خطوط العام 1967 علي أن تكون القدسالشرقية عاصمتها. من العوامل الأخري التي تصب في مصلحة الفلسطينيين وقضيتهم، التي هي قضية شعب اوّلا، وجود حكومة فلسطينية تتعاطي مع الواقع وتبني مؤسسات الدولة المستقلة. رئيس هذه الحكومة لم يختر «يوم الأرض» لإطلاق صاروخ في اتجاه الإسرائيليين. علي العكس من ذلك، اراد أن يقول إن المقاومة الحقيقية للاحتلال لا تكون عن طريق العنف، المقاومة تمارس عن طريق التمسك بالأرض لذلك توجه الدكتور سلام فياض إلي الأرض وزرع شجرة زيتون وشارك في حراثة احد الحقول كما شارك فلاحين فلسطينيين طعامهم بعد افتراشه الأرض معهم، انها تصرفات ذات طابع رمزي تعطي فكرة عن التوجه الفلسطيني انه توجه سلمي مشروع يصب في مشروع بناء الدولة ودحر الاحتلال ومقاومته. ثمة عامل ثالث لا يمكن تجاهله. انه المؤتمر الصحفي الذي عقده عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» ومفوض الإعلام والثقافة في الحركة السيد محمد دحلان وأكد فيه دعم الإدارة الأمريكية في توجهها الهادف إلي طرح مبادرة سلام خاصة بها يأتي التشجيع الفلسطيني للأمريكيين علي الاقدام علي خطوة في الاتجاه الصحيح في وقت تتصرف حكومة بنيامين نتانياهو بطريقة تريد من خلالها إفهام الرئيس باراك أوباما أن إسرائيل هي التي تتحكم بالأجندة الأمريكية في الشرق الأوسط وليس العكس. ليس ممكنا بالطبع الرهان كليا علي السياسة الامريكية في الشرق الأوسط لكن الجانب الفلسطيني بدأ يفهم اخيرا أن من بين الأسباب التي أدت إلي تراجع القضية الفلسطينية ابتداء من اواخر العام 2000 السقوط في فخ عسكرة الانتفاضة من جهة وقطع قنوات الاتصال مع البيت الأبيض من جهة اخري، اعتبر ارييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك، أنه صار في استطاعته محاصرة ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، في «المقاطعة» وقطع الهواء النقي عنه لمجرد ان العلاقات انقطعت بين «أبو عمّار» وواشنطن. كانت تلك لحظة الانتصار بالنسبة إلي شارون الذي كان يعرف أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا مع الزعيم الفلسطيني ما دامت أبواب البيت الأبيض مفتوحة له. تعلّم الفلسطينيون من دروس الماضي القريب لا عسكرة للانتفاضة بعد الآن لا قطيعة مع واشنطن، بل اقصي التجاوب مع ما تطرحه حتي لو كان هذا الطرح في إطار الحدّ الأدني، ومما يدل علي التعقل الفلسطيني رفض الضفة الغربية الانضمام إلي حملة إطلاق الصواريخ المضحكة- المبكية من غزة هل يمكن تصور ما كان حلّ بالضفة لو انطلقت صواريخ منها ؟... تكمن اهمية الموقف العاقل الذي تعتمده السلطة الوطنية والحكومة المنبثقة عنها، بالتفاهم مع «فتح»، في أن الخيارات الفلسطينية محدودة ظهر ذلك بوضوح خلال حرب غزة الأخيرة ماذا فعلت إيران للغزاويين باستثناء انها ارادت تعبئتهم في وجه مصر؟ ما تطرحه السلطة الوطنية حاليا يمكن أن يؤدي الي نتائج ايجابية في غضون الأشهر القليلة المقبلة. سيتبين ان المشروع الذي تطرحه حكومة بنيامين نتانياهو، هذا إذا بقيت في السلطة وفي شكلها الحالي، لا يتعارض مع منطق التاريخ فحسب، بل يصطدم بالمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وأوروبا أيضا.كيف تستطيع اي ادارة أمريكية أو أي دولة اوروبية الدفاع عن الاحتلال وعن سلب الحقوق الوطنية لشعب بكامله في وقت يخوض الامريكيون والأوروبيون فيه حربا علي الارهاب؟ بغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبها ياسر عرفات سواء أكان ذلك في الأردن أو لبنان أو في حق الكويت، عندما لم يتخذ الموقف الحاسم والحازم الذي كان يتوجب عليه اتخاذه من الاحتلال العراقي، أو في الأراضي الفلسطينية نفسها، يبقي ان الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني أوجد الهوية الفلسطينية وهو يطرق ابواب القدس يوميا بقوة من حيث هو. يفترض في الجانب الفلسطيني ألا يضيع الفرصة التي سنحت له في السنة 2010 والتي تتمثل بامتلاكه مشروعه السياسي المقبول من المجتمع الدولي في وجه المشروع الإسرائيلي الغائب الذي لا يمكن وضعه الا تحت لافتة ارهاب الدولة هل يمكن لارهاب الدولة الانتصار علي شعب يعرف تماما ما الذي يريده إضافة إلي أنه لا ينوي الاعتداء علي احد وانه لا يطمح إلي أكثر من ممارسة حقوقه المشروعة «غير القابلة للتصرف» استنادا الي قرارات الأممالمتحدة؟ كل التجارب التاريخية للشعوب تدل علي أن الفلسطينيين علي الطريق الصحيح، خصوصا أن سيطرة «حماس» علي قطاع غزة كانت تجربة فاشلة وأن المشروع الطالباني الذي تنادي به الحركة يشارف علي نهايته وان المسألة مسألة وقت ليس الاّ تحول مشروع «حماس» للأسف الشديد الي خشبة الخلاص الوحيدة لحكومة نتانياهو التي لم يعد لديها ما تقوله سوي أن «حماس» تريد، بدعم من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، إزالة إسرائيل من الوجود!